أخبار ||

الدكتور محمد الشاكر رئيس التيار العربي المستقل لـ (الزمان الدولية): المكوّن العربي في المعادلة السورية مهدد بمشاريع تلوح في الأفق

القاهرة – حوار مصطفى عمارة

أطلقت شخصيات مستقلة من أبناء الجزيرة والفرات في سوريا ، بينهم الأكاديمي والقانوني والإعلامي والتكنوقراط والعاملين في الشأن المدني والخدمي، وغالبيتهم من أصحاب الخبرات الإدارية، الذين شغلوا مناصب إدارية وسياسية عليا في سورية، مبادرة لأبناء المكون العربي، باسم « التيار العربي المستقل»، كتيار سياسي جماهيري تنموي مستقل، يؤمن بأن أبناء المنطقة قادرين على إيجاد صيغة توافقية و تشاركية بين مكونات المنطقة، للنهوض بواقع أبنائها الخدمي والتنموي، بدءاً من إيجاد الحلول بشكل فوري وعملي للحالة الإنسانية، التي أصبحت تهدد البنية المجتمعية السورية بالتفكك والتغيير الديمغرافي.

وحول أهداف وغايات واستراتيجيات التيار، أجرت الزمان الدولية، الحوار التالي مع رئيس التيار العربي المستقل الدكتور محمد الشاكر.

1- أعلنتم مؤخراً عن إطلاق تيار جديد « التيار العربي المستقل» يعمل من شرق الفرات، ما هي أهداف هذا التيار، ولماذا توقيته في مرحلة القضاء على داعش في منطقة شرق الفرات، التي حاربتها قوات سوريا الديمقراطية في شرق الفرات، ولم يكن دوراً للمعارضة السورية في ذلك؟

  • أهداف التيار تتركز في الوقوف عند واقع وتغييب المكون العربي، الذي أصبح مهدداً بمشاريع أخرى تلوح في الأفق، تماماً كما حصل في كل المشاريع التي مرت على المنطقة من فوضى السلاح إلى النصرة فداعش. وبالتالي فإن أهداف التيار تتركز على العمل انطلاقاً من حاجات الناس وواقعها المزري بدءاً من شرق الفرات، وانطلاقاً من إيماننا بأن المشكلات الاجتماعية هي التربة الخصبة لجميع المشكلات السياسية. ولهذا يضع في أهم أولوياته البعد التنموي والإنساني في منطقة الجزيرة والفرات، والوقوف عند حاجات الناس الخدمية والتنموية، فالمنطقة مازالت تعاني من غياب الخدمات والبنى التحتية، وأبنائنا بدون مدارس منذ سبع سنوات، وهذه هي الكارثة الحقيقة.
  • أما بالنسبة لتوقيته في هذه المرحلة. فالمنطقة الآن على فوهة بركان بسبب التجاذبات بين القوى المتصارعة، والمكون العربي سيكون مادة هذه التجاذبات، كونه في هذه المرحلة يرزح تحت ثلاث مشاريع، وثلاث مناطق نفوذ. فمنهم المتواجدون تحت النفوذ التركي في مناطق النزوح في الشمال السوري، حيث الفقر والفاقة والغياب الأمني والخدمي، الذي دفع قسم منهم للعيش في الشمال السوري حيث الأوضاع الأمنية والخدمية المزرية، ومنهم المتواجدون تحت النفوذ الأمريكي في مناطق شرق الفرات، وهؤلاء توزعوا بين من عاد إلى بيته المدمر أو المنهوب، بعد أن تقطعت به السبل في النزوح، ويعيشون في مناطق تعاني من الدمار وغياب الخدمات، أو في المخيمات الموجودة في شرق الفرات، حيث يتجاوز عددهم النصف مليون نازح. أما القسم الثالث فهم المتواجدون تحت سيطرة المليشيات الإيرانية في غرب الفرات، كمناطق تابعة شكلياً للنظام، وتدار من قبل المليشيات الإيرانية، التي تتمدد على الضفة الغربية لنهر الفرات، في مناطق شبه خالية من أهلها العرب، بسبب تخوف الناس من العودة، أما القلة ممن عادوا، بسبب الفاقة والفقر، فيتهددهم المشروع الإيراني الطائفي، حيث تجري عمليات التشييع بشكل علني، وقد استحدثت إيران المراكز الثقافية الخاصة بها، وتنتشر صور الخميني والخامنئي في كل مكان. هذا التوزع المرعب بين ثلاث مناطق، قد يشكل بداية لرسم خطوط التماس، وربما التأسيس لدولة فاشلة تديرها قوى إقليمية ودولية.

2- انتم من أوائل الأصوات الفكرية المعروفة في الوطن العربي، التي اشتهرت بالتنبيه من أدوار حركات الإسلام السياسي في احتجاجات الشارع العربي، ولكم في هذا المجال الكثير الحوارات التلفزيونية و الكتب والأبحاث والدراسات، التي نبهت من ذلك، ماذا تقولون في ذلك، وما موقع تياركم من هذه المعادلة؟.

  • قبل كل شيىء علينا أن نفرق بين « الثورات» و « المشروع». فالثورات حاجة جماهيرية تنبع من حاجة المجتمعات الثائرة لوعي مطابق لتطلعاتها، وعندما اندلعت احتجاجات الشارع العربي، رفعت شعارات المطالبة بالحرية والكرامة، وهذه حقوق متأصلة في النفس البشرية، في مواجهة الاستبداد، والفساد، والاستئثار بالسلطة. أما « المشروع» فهو ما يُدبر من استراتيجيات للدول لتنفيذ مصالحها الذاتية، بالاستفادة من الخلل البنيوي في التركيبة السياسية والمجتمعية، التي أفرزنها حالة الاستبداد والشمولية وعدم تداول السلطة، الذي ورّث غياب ثقافة المحاسبة، فتحولت الدولة إلى مزرعة، تقوم على ثنائية التزاوج الخبيث بين المال والسلطة، فكان ماكان..المشكلة في حركات الشارع العربي، أن الخارجين في الشارع ذهبوا ضحية الارتهان للمشاريع الخارجية. وبالتالي ابتلع المشروع الثورة وسرقها لصالح التجاذبات الدولية والإقليمية. ومابين هاتين المعادلتين لعب تيار الإسلام السياسي المتطرف، دور حصان طروادة للمشروع الخارجي، من خلال الجماعات الإسلاموية المتطرفة، محققة في ذلك معادلتين شكلتا حاملاً لـ « المشروع» الأولى: سرقة تطلعات الجماهير. والثانية تشويه مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، كمنظومة فكرية وحياتية، تقوم على المحبة والتسامح والبناء وقبول الآخر. باختصار : الناس خرجوا ضد الاستبداد مطالبين بالحرية والكرامة والدولة المدنية التعددية، ولم يخرجوا من أجل أن تأتيهم كل « نفايات العالم» تحت شعارات كاذبة في الخلافة والإمارة.
  • أما سؤالكم عن موقع التيار في هذه المعادلة، فالتيار يدعو لبناء الدولة القانونية، التي يخضع فيها الجميع حكاماً ومحكومين تحت سقف القانون، في إطار العيش المشترك بين جميع المكونات السورية، وكتيار نحن أعلنا عن الرؤية السياسية التي تضمنت في بندها الأول وحدة الأراضي السورية، والإيمان بالتحول الديمقراطي، والإنماء المتوازن، والديمقراطية الاجتماعية المستدامة، في إطار رؤية سياسية وفكرية، ترى أن لا حل سياسي بدون حوار سوري سوري، والعمل على بناء سورية الموحدة المستقلة أرضاً وشعباً.

3- هل تعتقد أن داعش تم القضاء عليه بشكل نهائي في المنطقة، و ما تداعيات ذلك على منطقة شرق الفرات؟

  • لابد من القول بأن داعش، كماهية وليس كمفهوم، لا يمت لأية منظومة فكرية أو عقيدية ، كما يحاول مؤسسوها الترويج لذلك. فداعش أشبه بحصان طروادة أو بالأدق الشركة المساهمة، أو السوق السوداء، التي ينفذ من خلالها جميع الصفقات ، بما في ذلك صفقات غسيل التجاذبات و الاستقطابات الحادة للقوى المتصارعة على الأرض السورية. لذلك فالقضاء على داعش عسكرياً هو نهاية لفكر متطرف استخدم الإسلاموية كوسيلة. ولهذا نجد أن مشروع داعش ارتبط في أحد مراحل الصراع بمواقف الدول التي تقف وراء جميع حركات الإسلام السياسي، فكان داعش حصان طروادة الذي عبر الحدود السورية، لتصفية حسابات لا علاقة لها البتة بواقع و سيرورة الأزمة السورية.

4- تبدو الأزمة السورية أمام تعقيدات وتحولات عميقة، فأكبر داعم تقليدي للثورة السورية هي تركيا، وأكبر داعم للنظام هي إيران، مع ذلك نجدهم اليوم حلفاء في أستانا وسوتشي، ووصلت العلاقة بين الطرفين إلى مرحلة إدانت من خلالها تركيا تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية. ما هو تعليقك كسوري على هذا التحول الخطير ؟

  • من المتعارف عليه أنّ الدول ليست جمعيات خيرية، ولكن بالمقابل ذاكرة السوريون ليست ذاكرة سمك، وكل سوري – يعمل من أجل سورية – عليه أن يشير إلى كل من أعمل في الدم السوري والأرض السورية، بعيداً عن الاصطفافات الإقليمية، لأنه لا حل بدون إدراك السوري بما يدور حوله، نحن ندرك تماماً أنّ الأدوار الإقليمية على حساب تراجع الدور العربي هي من أطالت عمر الصراع في سورية. فعلى سبيل المثال، صحيح أن كل من تركيا وإيران – كدولتين استحوذتا على الملف السوري – كان لكل منهما مشروعين مختلفين في الأهداف والغايات، لكنهما في نهاية المطاف متفقتين في تقاسم النفوذ، حتى ولو تُرك الملف السوري مفتوحاً على جميع الاحتمالات، وهذا ما نريد أن نقوله للسوريين، بأن الدول ليست جمعيات خيرية وإنما تعمل لمصالحها الذاتية، وهذه بديهية في العلاقات الدولية، مؤمنين بأن الوصول إلى هذه القناعة، هي المقدمة لمعارضة سورية مدنية ديمقراطية تؤسس للمشروع الوطني الجامع المستقل، الذي يحول دون ارتهان السوريين لأجهزة المخابرات الإقليمية.
  • أما عن السؤال حول نهاية داعش، فالآن انتهى داعش عسكرياً، ولكن مع بقاء مولدات الصراع، سيعود بأشكال أخرى، وبمسميات أخرى، ومن أبواب جديدة، ليس بالضرورة أن تكون شعارات دينية تم استهلاكها في مراحل معينة، بل قد يعود عبر تثوير الخطابات الشوفونية في المنطقة، وبما يحقق مصالح الدولتين معاً، عن طريق الفتنة العربية الكردية، التي أصبحت مادة يتم الاشتغال عليها الآن في أعقد منطقة، وهي الجزيرة والفرات، حيث تصادم المصالح ورسم ومشاريع رسم خطوط التماس والنفوذ بين الدولتين المتواجدتين على الجغرافية السورية.

5- ما موقفكم من فكرة المنطقة الآمنة أو العازلة المطروحة الآن، والتي تشكل منطقة شرق الفرات مادتها، وما هو توصيفها في القانون الدولي، كونك دكتور في القانون الدولي؟

  • نحن ندعو لتحويل كامل سورية بدءً من شرق الفرات إلى منطقة آمنة، أما تحويل جزء من سورية أو شريط حدودي منها، فسيزيد من تداخلات وتعقيدات الوضع السوري، خصوصاً وأنها ستكون الأرض الجاهزة لإنجاز التغيير الديموغرافي، إذ سيتم فيها توطين السوريين النازحين من أراضيهم، ما يحول دون عودة الأهالي إلى ديارهم، وبالتالي تنفيذاً سواء للمشاريع الطائفية أوالتوسعية للقوى المتصارعة، ورسم خطوط التماس ومناطق النفوذ، فحين تعطي جزءاً من الجسد السوري لتوافقات دولية، هذا يعني الإبقاء على مصالح هذه الدول في إطار هذا الاقتسام. أما بالنسبة لوضعها في إطار القانون الدولي العام، فهي تحتاج إلى قرار دولي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة يشرعن التدخل في الأراضي السورية، استناداً لاستئناءات مبدأ عدم التدخل في القانون الدولي. وأعتقد بأن ذلك متعذراً بسبب الاستقطابات الحادة بين القوى الدولية والإقليمية. ماعدا ذلك فإنّ أي تصرف أحادي من أية دولة، سيزيد كوارث جديدة على المنطقة، التي لا يحتمل أهلها صراعات أخرى. وإذا كانت تركيا تتخوف على أمنها القومي فمن حقها أن تبني منطقة آمنة داخل حدودها، لأن حماية الحدود هي مسؤولية الدولة، وعلى أرض الدولة، وليس على حساب دول أخرى.
  • ولهذا فإننا في التيار العربي المستقل دعونا إلى تنمية منطقة شرق الفرات بكاملها، حتى لا تتحول الآفات الاجتماعية إلى مشكلات سياسية، فالواقع الإنساني المزري لأبناء المكون العربي – في منطقة تشكل خزاناً بشرياً من الطاقات والخبرات، كما تشكل سلة الغذاء السوري، وخزان وقوده– سيؤسس لحالة الفراغ ، التي يعمل التيار أن يملؤها في لحظة خطيرة من تاريخ المنطقة، مردها تخوفات أخرى تتعلق بمشاريع جديدة أقسى تقف روائها جهات مستفيدة من تثوير حالة الاحتقان التي تعمل على إعادة تدوير الإرهاب والعنف.

6- أعود لأستغل الفرصة من خلال اختصاصكم كونكم خبير دستوري، وأحد أكثر السوريين الذين كتبوا في بناء الدستور السوري وبناء الدولة السورية المستقبلية.. هل ترون أن اللجنة الدستورية، قادرة على إيجاد مفاتيح للحل في سورية، خصوصاً مع الخلافات بين النظام والمعارضة على مسألة دستور جديد أو إصلاح دستوري؟

  • هذا حديث السوريين اليوم.. أعتقد بأن عبارة دستور جديد، أو إصلاح دستوري، أو حتى مناقشة دستور هي مجرد مصطلحات، الأهم من ذلك هو أن اللجنة الدستورية ليس من مهامها كتابة الدستور خارج سورية، وإنما الاتفاق على المبادئ العامة، التي تحدد شكل الدولة ( مركزية أو لامركزية)، وشكل النظام السياسي( رئاسي ، نصف رئاسي، برلماني)، وبالتالي فإن الأولوية تبدأ بإصلاح المؤسسات الدستورية وتفعيلها، لتكون قادرة على تطبيق وتنفيذ المبادئ العامة بشكل عملي . لذلك يصبح التركيز على ضرورة الاتفاق على التصميم المؤسسي الذي يعكس التفاعل بين مؤسسات الحكم ضمن شكل النظام السياسي أياً كان شكله، وأيضاً شكل العلاقة بين المؤسسات ذاتها، عبر ديناميات بناء الدستور، كتلك التي تتعلق بتصميم السلطات التشريعية (أي حل المجلس النيابي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. وتصميم السلطة التنفيذية ( أي الاتفاق على آليات تشتيت وعدم تركيز السلطة سواء بشكل أفقي عن طريق التشاركية في مؤسسة الرئاسة، أو بشكل عمودي عن طريق اللامركزية). وتصميم السلطة القضائية ( عن طريق إصلاح المجلس الدستوري، ومجلس القضاء، والمحكمة الدستورية العليا). وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية، وهذه جميعها ضوابط وطرائق قادرة أن تشكل أرضية للانتقال السياسي. وهذا يحتاج إلى الوصول إلى صيغة نهائية للعملية السياسية. أما مسألة اللجنة الدستورية الحالية، ونحن مجرد متابعين لها، فأعتقد أنّ تركيبتها الحالية، مازالت تعكس مصالح الدول، فالأسماء في اللجنة الدستورية سمتها القوى المتصارعة، بما في ذلك الثلث الثالث، ولم يكن الانتقاء على أساس الكفاءة أو المتخصصين، بل على العكس من ذلك، فقد تم تهميش القوى الوطنية والديمقراطية، وتم تهميش مكونات شرق الفرات، وكأنهم خارج العملية السياسية التي تقتضي حلاً على جميع الأراضي السورية، وكأن الرافضين لدخول مكونات شرق الفرات، يريدون أن يقولوا لهم « انفصلوا».

7 –من يقف وراء التيار، وهل تياركم مدعوم من أحد؟

  • التيار مستقل وهو أول تيار سياسي سوري نواته من أبناء الجزيرة والفرات، كمنطقة هي الأكثر من بين الناطق السورية التي دفعت ثمن جميع المشاريع التي مر بها الصراع السوري. لذلك يعتمد التيار على فكرة إيلاء الأهمية للتنمية وملامسة حاجات الناس بدءاً من هذه المنطقة، كنقطة انطلاق لأي عمل سياسي، والتيار لا علاقة له من قريب أو بعيد بأي مكون آخر من مكونات المعارضة، وغير مدعوم من قبل أي دولة، أو أي فرد. وقد أطلقنا التيار ورؤيته السياسية وانتخاب هيئته السياسية دون الرجوع إلى أحد، دون أن يتخلى عن فكرة أساسية تتعلق بكون سورية قوة مضافة ببعدها العربي، وخصماً على نفسها إذا عملت منفردة. ومن هنا تأتي أهمية الوقوف عند واقع المكون العربي، الذي يشكل وجه سورية العربي، بالإضافة لإيماننا بأن لا حل في نهاية المطاف إلا في إطار رؤية عربية مشتركة في إطار الأمن القومي العربي، وإلا فإن الصراعات الإقليمية والدولية ستبقى واقعاً ماثلاً أمامنا، وهو ما أثبتته ثماني سنوات من الموت السريري لسورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.