أخبار ||

الدكتور ممتاز الشيخ.. هكذا بدأ الاحتلال الإيراني لسورية

أوكلت إلي مديرية رقابة المطبوعات في وزارة الاعلام 2005-2000. كنت أغالب خجلي حين يأتي كاتب كبير أو باحث يطلب الموافقة على نشر ماكتب، ولعل الحسنة الوحيدة للمهمة أنها أثرت في عوالمي ومواقفي وربما في اتجاهاتي.

دخل مكتبي فتى لغته العربية ركيكة، ويصعب التفاهم معه حول قضايا المخطوطات، ولعل ذلك كان فعلا مقصودا. يحمل الشاب بيده بوليصة شحن لإدخال أطنان من الكتب موجودة ضمن قاطرة ومقطورة في الجمارك؛ ولأن الكتاب سلعة غير مجزية في الرشوة فقد ترك مسؤولو الجمارك لنا (العظمة التي لا تستحق جهد المضغ).
كمية الكتب كانت مهولة ومصدرها إيران. عناوين الكتب بحسب البوليصة تقتصر على القرآن الكريم وقواميس عربي إنجليزي وبعض من كتب النحو.

تشددت في الحالة وقتذاك فالأمر عصي التصديق في ما تحتويه الشاحنة من كتب لم يذكر أصحابها عناوينها عمدا في البوليصة، كما أن سوق الكتاب لدينا لم يكن يعاني ذات مرة من نقص في القواميس أو كتب النحو .

كان منظر حي السيدة زينب جنوبي دمشق يستفزني بغرابته، فلا المشهد العام سوري الطباع ولا اللغة الفارسية المتداولة مفهومة ولا حتى روائح البخور والعطور…. كما أن لباس الناس هناك غريب وحركتهم مستفزة.

قلت للشاب نريد أن نكشف على الكتب كلها حتى ولو كانت في الشاحنة، وهو إجراء لم يسبق أن فعلناه وهو يعرف ذلك أيضا، إذ ليس لدينا ما يكفي من الموظفين ليذهبوا مرة إلى الجمارك أو المنافذ الحدودية ليتحققوا في الكتب المستوردة، ويقتضي الأمر أن يتحقق مسؤولو الجمارك فيما تحتويه الحاويات.. مع ذلك وعلى نحو غير معهود أبدا طلبت من زملائي أن يقوموا بمهام موظفي الجمارك .
ذهب كل من (…) . وجلبوا عينات من مقدمة الشاحنة ومن وسطها وآخرها… كانت العينات مرعبة في مضامينها وتعج بالأديولوجيا الدينية الشيعية وغالبها يحتوي على صفحة من السباب والشتم على الخلفاء الراشدين والأمويين وتروج لمخالفيهم.

تأزم الوضع كثيرا بعد ذلك ومع عدم موافقة وزارة الاعلام على الافراج عن الشاحنة. وكما هو الحال في سورية بدأت الوساطات والتدخلات بعد كل ساعة. طلبني وزير الاعلام أحمد الحسن (أبو عمار) مستفسرا عن الحالة والحلول المقترحة.

لم أجاوب بشكل مباشر على تساؤلاته وذكرت له قصة أحد الموهوبين الشباب من السوريين حين جاء قبل عام يطلب الموافقة على طباعة مخطوط شعر له، وبموجب العرف في مثل تلك الحالة أحلت المخطوط إلى اتحاد الكتاب العرب وحسب تقاليد الاتحاد لابد أن يحال المخطوط إلى ثلاثة من فحول شعراء الاتحاد وهم في بيوتهم ليبدوا ملاحظاتهم، وإن وافق اثنان منهم على المضمون يمكن أن يحصل على الموافقة وهكذا… المهم قلت للوزير ما زال الشاب ينتظر الموافقة منذ عام أو أكثر على مخطوط لا تتعدى كلماته جميعها عن خمسين صفحة ولا تتجاوز موضوعاته حدود الغزل..

للحقيقة، لم يضغط وزير الإعلام من أجل الموافقة على الشاحنة الايرانية رغم أن المستشارية الايرانية ومسؤولين في السفارة الايرانية تواسطوا وتدخلوا بقوة . أحسست بالحالة الحرجة التي وقع فيها الوزير خاصة وأنه كان قبل فترة غير بعيدة سفيرا لسورية في طهران وهو على علاقة طيبة مع كثير من المسؤولين الايرانيين.

جاءني مندوب الأمن السياسي بعد ثلاثة أيام من الحادثة وقال كلاما مقتضبا لا يحق له أن بستفيض أكثر حسب ما قال، لكنه ألمح بأن الأمن السياسي بات على دراية بما يجري وأنهم في الأمن يراقبون الوضع عن كثب… شخصيا لم أفهم فحوى الرسالة حتى اليوم.
لاحقا عرفت أن جهات عليا تدخلت وأوعزت للجمارك بإدخال الشحنة.
بقي صديقي يتلو علينا شفاهيا آخر قصائده ويخط بعضها بيده لمحبوبته دون أن يلح أكثر في طلب الموافقة.
وأشرعت دمشق الأموية أبوابها أمام خصومها التاريخيين ولم يعد أحد يستغرب بعد الآن مشاهد اللطم في باحة المسجد الأموي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.