أخبار ||

مستشار وزارة الخارجية الروسية د. رامي الشاعر يوجه رسائله إلى ” ندوة الدوحة”.

مرة أخرى يلقي بعض السوريون أنفسهم في جحيم لعبة المحاور الدولية كلما عقدوا اجتماعاً أو ندوة في إحدى الدول الضالعة في الصراع السوري، مقدمين نموذجاً هل يعقل أن يكون “زعيم” هذه المعارضة صاحب تاريخ طويل من الترقيات والمناصب داخل “نظام الأسد” الذي انشق عليه، ويريد الإطاحة به. والسؤال الذي يطرح نفسه حقيقة: ألم يكن رئيس مجلس الوزراء السابق ضالعاً هو الآخر في ذات “الجرائم والممارسات”، بحسب تعبيره وتصريحاته أثناء اجتماع الدوحة، من خلال المناصب الحساسة التي تقلّدها يوماً في الدولة السورية؟ عن تقديم معارضة وطنية غير ناطقة بلسان ” تابعيها”، فيشيدون بمحور على حساب آخر ، وهم ميقنون أنها مجرد نشوة آنية لا تتعدى  بضع ساعات في فندق وثير، في حالة من العجز عن إلقاء حجر في بركة المعارضة السورية ” الرسمية” الآسنة.

حال البعص من السوريين يذكرنا بنشوة ” دكتور فاوستس” في راوية كريستوفر مارلو الشهيرة، الذي نسي إمكانياته الذاتية، قبل أن يبيع نفسه للشيطان طمعاً في المال والسلطة والنشوة الآنية.

مرة أخرى يتنطع بعض السوريون ليكونوا ملوكاً أكثر من الملك الذي يُسجل له ” ثقافة الاعتراف” حين قال: إن ما حصل في سورية سببه ” هوشة على الصيدة” ( سورية) بين نفس القوى التي ادعت دعم المعارضة الرسمية بالمال والسلاح، وهي ” الهوشة” ذاتها التي أوقعت السوريين في حالة من التشظي و الصراعات البينية، حيث كل فصيل منها يحارب من أجل دولة أو جماعة أو أمير، بينما يتمزق الوطن السوري جغرافياً، ومجتمعياً، وثقافياً واقتصادياً. 

هكذا تحولت تطلعات السوريين في الديمقراطية والعدالة وطي صفحة الاستبداد إلى حرب أهلية وطائفية مقيتة، منذ فوضى السلاح، فجبهة النصرة ( معروف داعميها)  و داعش ( معروف أين جاءت وعبرت). الجماعتان المتطرفتان  اللتان قاتلتا االشعب لسوري  دون غيره ، عدا  الفصائل التي رفعت شعارات إسلاموية، فشوهت إسلام  السوريين السمح، وفتت ميزة تعايشهم التاريخي، وحولتهم إلى متطرفين يقطعون الرؤوس، ويعتقلون النشطاء ، ويفرضون الأتاوات، قبل أن يتحولوا إلى مرتزقة  في رحلة جديدة من الـ ” سفر برلك ” السوري المذل والمهين السوريين.

بالرغم من هذا وذاك، ونحن نقترب من اكتمال العام الحادي عشر من الكارثة السورية، مازال البعض من السوريين يمجدون صانعي كل هذه الخيبات.

 هكذا شخصيات لا يمكن لها أن تقدم نموذجاً لمعارضة سورية حقة، وهي مازالت بهذه التبعبة وهذا التطبيل، ونفس الأداء ونفس العقلية.

هكذا معارضات  لا يمكن لها أن تؤسس للمشروع الوطني الديمقراطي والانتقال السياسي عبر القرار ٢٢٥٤ الذي يحتاجه كل السوريين المشردين والجياع، كما لا يؤهل – هؤلاء البعض-  لأن يكونوا بديلاً يقود دولة محورية كسورية، التي يستحق شعبها – بعد كل هذه التضحيات- أن ينعم بالحرية والكرامة والديمقراطية.

  •  حلقة مفرغة شيطانية لإطالة الصراع السوري.
  • فرض عقوبات “قانون قيصر”، لن يكون مجدياً، لأن تداعياته تمس الحياة اليومية لملايين السوريين.
  • المعارضة ما زالت تدعو إلى شعار “إسقاط النظام”، والنظام يدعو إلى شعار “الأسد أو لا أحد”، و الشعب السوري بينهما عاجزاً عن الحرب، عاجزاً عن المعارضة، عن المقاومة. عن التأييد. عن أي شيء سوى رغبة البقاء على قيد الحياة، والبحث اليومي المضني عن مازوت للتدفئة ولقمة لطفل جائع، أو علاج.
  • وفد دمشق تعنت في جلسات اللجنة الدستورية في جنيف.
  • القيادة في دمشق مازالت تستعمل أساليب السعينيات والثمانينيات.
  • ما دار في ندوة الدوحة هو عودة لاستخدام شعارات قديمة، ثبت عدم جدواها، وأوصلت السوريون إلى ماهم عليه الآن.
  • ندوة الدوحة محاولة لعودة المعارضة لفكرة “إفناء الآخر”، التي أثبتت فشلها، وعدة لأحلام تدمير الدولة السورية، والتخلص من “مؤيدي النظام”، لبناء “دولة ديمقراطية جديدة” على أنقاض وأشلاء مواطنين سوريين “آخرين”، لمجرد أنهم يختلفون في آرائهم ورؤاهم السياسية.
  • ندوة الدوحة ليس سوى رد فعل على فكرة القيادة في دمشق أنها “انتصرت”، وأنها “عادت لتبقى للأبد”، دون إدراك واقعي لحقيقة المشهد.
  • من سذاجة البعض في ندوة الدوحة، أنهم دعوا الناتو لاحتلال روسيا حتى تُحل الأزمة السورية
  • هل يعقل أن يكون “زعيم” هذه المعارضة صاحب التاريخ الطويل من الترقيات والمناصب داخل “نظام الأسد” الذي انشق عليه، ويريد الإطاحة به.
  •  ألم يكن رئيس مجلس الوزراء السابق ضالعاً هو الآخر  ضالعاً في ذات “الجرائم والممارسات”، بحسب تعبيره وتصريحاته أثناء اجتماع الدوحة، من خلال المناصب الحساسة التي تقلّدها يوماً في الدولة السورية؟

في مقال نشرته صحيفة ” زافترا” الروسية، وجه الكاتب والمحلل الاستراتيجي د. رامي الشاعر ، الكثير من الرسائل الروسية – كمستشار لوزارة الخارجية اللروسية- إلى الندوة التي عقدت مؤخراً في الدوحة بعنوان  “سورية إلى أين؟”. وانتقد الشاعر الأداء الكلاسيكي الذي تسير به بعض المعارضات السورية منذ مايقارب الـ ١١ عاماً، معتبراً أن ماجرى في الدوحة عودة إلى الصفر أو المربع الأول، وهو – حسب الشاعر-  بسبب مطالبة بعض المعارضين البارزين بـ “إسقاط النظام كحل أوحد لتحقيق عملية انتقالية ذات مصداقية”.

وانتقد الشاعر  الأدوار الدولية والإقليمية والمحلية، مطالباً الولايات المتحدة الأمريكية بالتعامل بجدية مع القرار ٢٢٥٤، الذي وافقت عليه، مشيراً أنّ الموافقة على القرار مع الاعتراف بالنظام السوري في الأمم المتحدة إنما تعني أنه طرفاً شرعياً في العملية السياسية، وهو مايتعارض – حسب الشاعر- مع  ما صرح به نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، إيثان غولدريتش، بأن بلاده لن تطبّع العلاقات مع نظام الأسد في سوريا. وانتقد الشاعر أيضاً أداء النظام السوري في إطار الامتثال للعملية السياسية وتطبيق القرار ٢٢٥٤ السياسية. وقال،  أتفق مع جزء مما قيل بشأن جنيف، تابعنا كيف تعنت وفد دمشق في جلسات اللجنة الدستورية المصغرة لصياغة دستور سوريا الجديد.

وقال الشاعر أن  فرض عقوبات “قانون قيصر”، لن يكون مجدياً، لأن تداعياته تمس الحياة اليومية لملايين السوريين، في محاولة لكسر النظام، وتركيعه، وربما إسقاطه، بعد أحد عشر عاماً من الدمار والحرب الأهلية، دون اعتبار لأن دائرة العنف المقبلة سوف تذهب بالأخضر واليابس، ولن تتوقف عند حدود الدولة السورية، وقد تمتد إلى براميل بارود أخرى كثيرة منتشرة في المنطقة والعالم.

وتابع الشاعر، القيادة في دمشق، تعتقد أن وضعها الحالي مستدام، وقابل للاستمرار للأبد، وتستخدم نفس أساليب سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وتعلن نتائج انتخابات تحوم حول الأغلبية الكاسحة والأغلبية العظمى، في وقت يشاهد فيه المواطنون بأم أعينهم مشاهد الحرب والدمار والفقر والجوع والمرض، ولا يحتاجون لأرقام صناديق الاقتراع لتؤكد لهم على ما يعرفونه، ويعرفه الجميع حق المعرفة.

وتابع الشاعر، المعارضة لا زالت تدعو إلى شعار “إسقاط النظام”، والنظام يدعو إلى شعار “الأسد أو لا أحد”، ويقف الشعب السوري بينهما عاجزاً عن الحرب، عاجزاً عن المعارضة، عن المقاومة، عن التأييد، عن أي شيء سوى رغبة البقاء على قيد الحياة، والبحث اليومي المضني عن مازوت للتدفئة، أو لقمة لطفل جائع، أو علاج لمريض قعيد.
يجلس هؤلاء وأولئك على مقاعدهم الوثيرة، وينامون ملء جفونهم على وسائد مخملية في فنادق ذات نجوم كثيرة (يعلم الله كيف!)، وتهتف حناجرهم بأعلى الأصوات لـ “إسقاط النظام”، مستخدمين بذلك مواطنين تختلف درجة إخلاصهم وإيمانهم بقضيتهم في الداخل، تخدعهم الشعارات البراقة، ويظنّون أن نفس الخطوات، والأساليب، والإجراءات، التي تمت على مدار 11 عاماً، يمكن أن تؤدي اليوم إلى نتائج مختلفة! كيف؟ لا أدري. وأضاف الشاعر، ربما كانت المعضلة الأساسية التي نقف أمامها اليوم هي عراقة وشجاعة وأصالة الشعب السوري بكل مكوناته، وأطيافه، وعلى جانبي الصراع، فهو شعب تمكّن عبر تاريخ طويل من مراكمة نضالات وخبرات وتجارب وثقافات تجاوزت أزمات لا تقل مرارة أو قسوة عن أزمته الراهنة. أقول إن الشعب على جانبي الصراع، آمن بقضاياه وذهب ليدافع عنها بحياته، يدفعها بسخاء، ويروي دم أرضه دفاعاً عن قضيته التي يظن كل طرف من الأطراف بصوابها وعدالتها وحقها المبين. لهذا دافع الطرفان، وقاتلا بعضهما بكل حمية وحماس وشجاعة.
إلا أن الوضع الآن يحتاج شجاعة لا تقل عمّا تحلّى بها هذا الشعب الأبيّ، حينما أمسك بالمدفع والقنبلة. فالشجاعة اليوم لابد وأن يكون على رأس أولوياتهم رفع المعاناة عن الشعب المسكين، عن الأطفال والنساء والعجائز والمدنيين، ممن لا ذنب لهم، ولا ناقة لهم ولا جمل. لابد وأن يكون على رأس هذه الأولويات الوقف الفوري لمختلف أشكال القهر والقمع والتهجير والفقر والجوع والبرد والمرض. الأولوية القصوى، في وجهة نظر أي معارضة نبيلة شريفة لا يجعل لأي صراعات جانبية أي معنى أو مكان أو هدف، سوى الحصول على مكاسب سياسية أو حزبية أو شخصية ضيقة، على حساب دم الشعب المكلوم.

وأكد الشاعر إن ما دار في ندوة الدوحة من عودة لاستخدام شعارات قديمة، تعيد إلى الأذهان حالات الاستقواء بالخارج، والالتحاف بالقوى الغربية، بل ودعوتها لممارسة مزيد من الضغوط على “النظام السوري”، وكأن ذلك “المزيد من الضغوط” لا يعني مزيداً من المعاناة، ومزيداً من المآسي، بل ومزيداً من الوفيات والأمراض والأوبئة وانهيار البنى التحتية للملايين من أبناء الوطن.
وتساءل الشاعر، هل عادت المعارضة لفكرة “إفناء الآخر”، التي أثبتت فشلها، وهل عادت أحلام تدمير الدولة السورية، والتخلص من “مؤيدي النظام”، لبناء “دولة ديمقراطية جديدة” على أنقاض وأشلاء مواطنين سوريين “آخرين”، يختلفون في آرائهم ورؤاهم السياسية؟.
وأضاف متسائلاً، هل هذا هو رد فعل على فكرة القيادة في دمشق أنها “انتصرت”، وأنها “عادت لتبقى للأبد”، دون إدراك واقعي لحقيقة المشهد، الذي تسيطر فيه دمشق على غالبية، وليس كل التراب السوري، وحتى تلك الغالبية تعاني من مشكلات إدارية بنيوية وهيكلية تحتاج فوراً للمساعدة، ولا ولن تتمكن سوريا من النهوض بأعباء إعادة الإعمار دون العودة إلى المجتمع الدولي، الذي يشترط للعودة تنفيذ القرار الأممي 2254. فهل يعي ذلك أولي الأمر؟
وقال الشاعر، إن كل ما استمعت إليه في الندوة من مقترحات “إنهاء عمل اللجنة الدستورية، والهجوم على مسار أستانا وجنيف معاً في آن واحد، والغياب شبه الكامل للحديث عن القرار 2254، والحديث عن حل إسقاط النظام، والتقييم الإيجابي لدول الولايات المتحدة الأمريكية” وغيرها من الرؤيا الأحادية، ليست سوى أفكار مرفهّة، لا تختلط بالطين السوري المبتل بدماء الشهداء.
واستغرب الشاعر سذاجة البعض في ندوة الدوحة الذين وضعوا انفسهم طرفاً بين قوى دولية -كروسيا والولايات المتحدة- حيث وصلت درجة العبث ببعض السوريين المتواجدين في الدوحة إلى التعاطف مع مداخلة مندوب البيت الأبيض والرهان على احتلال “الناتو” لروسيا، ثم بعدها تحل أزمة سوريا والإطاحة بالنظام، وتصفية 20% من الشعب السوري! فأي عقل هذا؟
وتساءل الشاعر مستغرباً، هل يعقل أن يكون “زعيم” هذه المعارضة صاحب تاريخ طويل من الترقيات والمناصب داخل “نظام الأسد” الذي انشق عليه، ويريد الإطاحة به. والسؤال الذي يطرح نفسه حقيقة: ألم يكن رئيس مجلس الوزراء السابق ضالعاً هو الآخر في ذات “الجرائم والممارسات”، بحسب تعبيره وتصريحاته أثناء اجتماع الدوحة، من خلال المناصب الحساسة التي تقلّدها يوماً في الدولة السورية؟.
وختم الشاعر ، إن المعارضة الحقيقية والوطنية هي معارضة حريصة على الشعب قبل “النظام”، وعلى البشر قبل الدولة، تسعى قدر الإمكان إلى تغيير نهج الممسكين بزمام الحكم، باستخدام جميع الإمكانيات المتاحة، من خلال المؤسسات الموجودة فعلياً، والتي يخدم فيها مواطنون سوريون، فيسعون لإعادة الهيكلة، وتحسين الأداء، والوظيفية، لخدمة المواطن السيد على أرضه، ولا يحدث ذلك، تحت أي ظرف من الظروف، بتدخل أجنبي، أو بحصار جماعي، بل ولا يحدث دون حوار سوري سوري، والابتعاد عن المطالبات التي تسعى لتدمير الدولة السورية ومؤسساتها. فالدولة رمز السيادة، والوطن باق، ونحن زائلون.