ترأست مملكة البحرين القمة العربية الأخيرة في المنامة، وهي القمة التي لاتبدو مقدمة لتحول تاريخي للعمل العربي المشترك وقضايا الشرق الأوسط و حسب، بقدر ماتؤسس – في حال العمل على مخرجاتها- لمنعطف تاريخي يعيد ترتيب العلاقات البينية للنظام الدولي والعلاقات الدولية، خصوصاً وأن الهاجس والهدف الأخير الذي سيطر على أجواء القمة وبيانها الختامي كان ” الدعوة لمؤتمر دولي للسلام ووقف الحرب على غزة “.
ولعل مايؤكد هذه الفرضية هي التسارع في الأحداث بعد أيام قليلة من انتهاء القمة، والتي تمثلت في زيارة ملك البحرين لموسكو، التي دعا من خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدعم روسيا مؤتمر دولي للسلام. سبق ذلك بأيام خطوة تاريخية تمثلت بتبادل التمثيل الدبلوماسي بين سورية والمملكة العربية السعودية على مستوى السفراء امتثالاً للقرار الصادر عن اجتماع وزراء خارجية الدول العربية القاضي بعودة سورية إلى الجامعة العربية، وبالتالي انخراطاً وتماهياً عملياتياً مع بيان القمة ومخرجاتها من قبل المملكة العربية السعودية التي تمثل القوة المركزية في الخليج العربي.
دولياً، يبدو تدويل قمة المنامة تتويجاً أيضاً للمسار الذي خطته المملكة العربية السعودية منذ زيارة الرئيس الصيني ” تشي جين بينغ” المملكة، وهي الزيارة التي شكلت أكبر نشاط دبلوماسي بين الصين والعالم العربي، حيث حضر الرئيس الصيني قمة دول مجلس التعاون الخليجي، كما شارك في قمة عربية صينية إلى جانب عدد من الزعماء العرب.
في إطار ماطرحته قمة المنامة حول عقد مؤتمر دولي للسلام، فتحت القمة الباب على مصراعيه لإحياء المفاوضات الدولية بشأن السلام في الشرق الأوسط، وهي المفاوضات والمحادثات التي مرت بعقود من الموت السريري بين طرفيها الأساسيين روسيا والولايات المتحدة.
عودة الدور التاريخي لروسيا في الشرق الأوسط والصراع الإسرائيلي العربي بدى واضحاً في القمة من خلال البرقية التي أرسلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقمة، و التي ركزت على ” أن الشرق الأوسط يمر بواحدة من أشد الأزمات في تاريخه”، كما ركزت على الصراع الإسرائيلي العربي وضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
الدور الروسي توضحت ملامحه أكثر بعد القمة من خلال الحديث الأخير لمبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا نائب وزير الخارجية السيد ميخائيل بوغدانوف على قناة روسيا اليوم، حيث أرسل بوغدانوف رسائل واضحة وعبر محطات ووثائق تاريخية، ومذكراً – كشاهد شخصي – بموقع روسيا ودورها في عملية السلام في الشرق الأوسط منذ أيام الاتحاد السوفياتي ، ومستعرضاً في الوقت ذاته تاريخية هذا الدور بشكل موثق منذ ثلاثين عاماً، حيث ربط بوغدانوف مواقف الاتحاد الروسي اليوم بمواقف الاتحاد السوفياتي، ومعتبراً – أي بوغدانوف- أن روسيا الاتحادية اليوم هي ورثية شرعية للمواقف المبدئية بشأن قضايا الشرق الأوسط والقضايا العربية وبوجه الخصوص القضية الفلسطينية.
و بين المواقف العربية التي تكاد تكون موحدة، وبين الموقف الخليجي الذي بدى موحداً بعد قمة المنامة من جهة، وموقف روسيا والصين من جهة أخرى أزاء قضايا المنطقة والعالم، تبدو ملامح النظام الدولي الجديد آخذة بالتبلور ، و يبدو معها عالم متعدد الأقطاب أكثر اماناً وتوازناً، الأمر الذي يؤسس لإمكانية عقد مؤتمر دولي للسلام بدعم روسيا كطرف في عمليات ومؤتمرات السلام مع الولايات المتحدة، وهي العمليات والاتفاقيات التي أصبح الشرق الأوسط والعالم بحاجتها اليوم أكثر من أي وقت مضى، وصولاً لحل معضلات الشرق الأوسط والقضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وحل الدولتين.
في هذا السياق، علق الكاتب والمحلل السياسي الدكتور رامي الشاعر على الزيارة الأخيرة لملك البحرين حمد بن عيسى إلى موسكو ولقاءه رئيس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال الشاعر، لم يكن من قبيل الصدفة أن يقوم ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة بأول زيارة عقب انتهاء القمة العربية الثالثة والثلاثين في المنامة إلى روسيا. فالشرق الأوسط يمر خلال هذه الأيام بأشد أزمة عرفها تاريخه المعاصر وربما القديم أيضا، وتلك الزيارة الهامة تؤكد على أهمية روسيا بالنسبة للعالم العربي، حيث يمثل الشيخ حمد جميع الزعماء العرب بعد تسلم بلاده رئاسة القمة العربية. وروسيا، بالنسبة لعالمنا العربي، تتمتع بمصداقية وموثوقية في بناء علاقات التعاون مع البلدان العربية مبنية على المنفعة المشتركة والاحترام المتبادل واحترام السيادة والسعي إلى التطور والاستقرار والسلام العادل.
وأضاف الشاعر رابطاً بين الزيارة وقمة المنامة بالقول، لقد توجه ملك البحرين بعد المبادرة التي أعلنها بخصوص مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط مباشرة إلى موسكو، وهذا أيضا مؤشر على تقديره لكل الجهود التي بذلتها روسيا سابقا في جميع المحافل والمؤتمرات الدولية الخاصة بقضية السلام في الشرق الأوسط، التي كانت دائما موسكو تلتزم بموقف مبدئي واضح بشأنها لصالح المطالب العربية العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وحول الموقف الروسي أضاف الشاعر، وقد رحبت روسيا بهذه المبادرة، لا سيما في الظروف الراهنة التي يعانيها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وتفاقم الصراع العربي الإسرائيلي، إضافة إلى عدد من القضايا الأخرى التي تزعزع الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وموقف روسيا كان ولا زال واضحا بشأن العلاقات العربية الإيرانية، وضرورة تعزيز أمن واستقرار الملاحة في البحر الأحمر والخليج العربي ومضيقي هرمز وباب المندب، وقد رحبت روسيا كثيرا بالاتفاقية الموقعة بين المملكة العربية السعودية وإيران برعاية صينية، والتي مثلت بالفعل زلزالا سياسيا في المنطقة، وفتحت آفاق التفاؤل بمستقبل أكثر استقرارا وأمنا. لكني أعود وأكرر أن القضية الفلسطينية تبقى هي الأساس للتركيز على حلها، وهي قطعا المفتاح لإحلال السلام العادل والشامل والاستقرار في الشرق الأوسط.
وحول ماتمخضت عنه الاتفاقيات والجهود السابقة بين روسيا وامواقف لولايات المتحدة بشأن عقد مؤتمر دولي للسلام قال الشاعر، ولكن، مع الأسف الشديد، باءت كل المحاولات والجهود السابقة، بما في ذلك المؤتمر الدولي المنعقد عام 1991، أو المبادرة العربية لعام 2000 وغيرها من الأنشطة في الأمم المتحدة بالفشل. وما كان لتلك الجهود أن تنجح دون توفر موقف عربي حاسم وصارم وموحد. على سبيل المثال، لو شعرت الولايات المتحدة بمثل هذا الموقف، لما استخدمت حق الفيتو ضد قرار الجمعية العمومية بمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
وتابع بالقول، وفقاً لمعلوماتي، فسوف تدعم روسيا مبادرة وجهود ملك ومملكة البحرين وقرار القمة العربية، ولكن لن يكون لأي من الجهود ولا لمخرجات مثل هذا المؤتمر أي تأثير دون موقف عربي حاسم وصارم وموحد. والحقيقة هي أن العرب ليسوا بحاجة إلى تأييد، أو حتى إلى دور روسي لعقد مثل هذا المؤتمر، بل على العكس من ذلك، روسيا هي من تحتاج لذلك الموقف العربي الحاسم والصارم والموحد ليدعم جهودها وجهود الصين باعتبارهما أعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وموقف كليهما واضح بخصوص الحقوق الوطنية الشرعية للشعب الفلسطيني، وبشأن جميع القضايا الأخرى المحورية لإحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. ولنقارن، على سبيل المثال، بين مواقف روسيا والصين تجاه جميع القضايا التي نوقشت في قمة الجامعة العربية بالبحرين، وسنجد أن تلك المواقف تتطابق بشكل يكاد يكون مطلقا مع الحقوق العربية، إلا أن التناقضات والخلافات العربية هي التي تحتاج مراجعة فورية لتجاوزها حتى تتمكن الدولتان، العضوتان في مجلس الأمن، التأثير فعليا لصالح الدول العربية خاصة والشرق الأوسط عامة.
وتمنى الشاعر لرئيس القمة العربية الملك حمد بن عيسى آل خليفة أن ينجح في تفعيل دول عربي حاسم وصارم وموحد لإنجاح خروج المؤتمر بنتائج عملية محددة تتجسد بخطوة عملية تمهيدا للإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على جميع أراضي 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأنا على يقين من أن القيادة الروسية ستفعل كل ما بوسعها لدعم جهود البحرين في هذا المسار.
وأضاف، أنا أدرك أن صاحب المبادرة جلالة ملك البحرين يتفهم بشكل عميق مرحلة التغيرات الدولية، وأهمية انتقال العالم إلى أجواء دولية جديدة متعددة الأقطاب، وهو ما يتيح تفعيل دول الأمم المتحدة واحترام وتنفيذ قرارات المؤسسات الأممية، لا سيما القرارات ذات الصلة ببلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تسعى إلى تنفيذها أيضا روسيا وجميع البلدان العربية دون استثناء، إلا أنه، وفي ظل توتر العلاقات الروسية مع الناتو إلى درك لم يسبق له مثيل، فإن المطلوب من القمة العربية والجامعة العربية أخذ زمام المبادرة الأساسية في التحضير للمؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط.
وشدد الشاعر على ضرورة وحتمية الموقف العربي الموحد خلال هذه المرحلة قائلاً، لا أبالغ بالقول إن الموقف العربي الحاسم والصارم والموحد في المرحلة الراهنة يمكن أن يلعب دورا محوريا أيضا في تخفيف تصاعد التوتر ما بين موسكو وواشنطن من خلال فتح المجال لجلسات التفاوض والنقاش، والذي ربما يمتد أبعد من قضايا الشرق الأوسط الإقليمية إلى قضايا أخرى دولية واستراتيجية بالنسبة لروسيا والولايات المتحدة.
وقال الشاعر، هنا أؤكد مرة أخرى على أهمية مبادرة البحرين بخصوص الشرق الأوسط في هذا الوقت بالذات، حتى يتلاقى الجميع في محفل دولي للتباحث والنقاش في الوقت الذي تحتد في احتمالات اللجوء إلى توسيع العمليات العسكرية، بل واستخدام الأسلحة النووية لا قدر الله.
وختم الشاعر بالقول، من الواضح أن جلالة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة يسعى من خلال مبادرته ونشاطه وزيارته الأولى عقب تسلم منصب رئاسة القمة العربية إلى روسيا تفعيل دور عربي مؤثر يساعد على تخفيف حدة التوتر والتصعيد بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية .