أخبار ||

بالرغم من السيل الإعلامي حول لقاء التطبيع بين دمشق وأنقرة في بغداد … رامي الشاعر يفجر مفاجأة: ” لن يتم مثل هذا اللقاء”.

لايختلف إثنان بأن  روسيا هي مهندسة التطبيع الجاري بين دمشق وأنقرة، وهو التطبيع الذي جاء كنتيجة مباشرة للدفع الذي قامت به روسيا نحو التطبيع العربي مع دمشق وفي سياق دبلوماسية تكتيكية تعود إلى العام 2017 التي تمثلت باتفاقيات أستانا، قبل أن يتحول هذا الحراك إلى معالجة الكارثة السورية بدءاً من أس الصراع السوري الذي طرفاه أنقرة ودمشق، والذي بدأت تداعياته تطال البنى المجتمعية والسيادية للبلدين، الأمر الذي تحتاج معه المحادثات إلى حل العُقد الأكثر إلحاحاً في هذا الخصوص قبل مناقشة أية قضايا أو أدوار إقليمية بأبعاد دولية، قد تؤسس لتعقيد التفاوض وربما فشله .

في هذا السياق لايبدو غريبا تصريح المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف الذي قال بـ ” أن الكرملين ليس لديه ما يعلنه بشأن الحضور الروسي المحتمل في المفاوضات بين سوريا وتركيا في بغداد”، ولعل هذا التصريح جاء في سياق الهندسة والرغبة الروسية ذاتها في إنجاح مخرجات هذا التطبيع. وفي سياق من التصريحات التركية التي تعول على المرونة الروسية في هذا التطبيع.

تصريح ” بسكوف” جاء أيضاً في إطار الرغبة التركية ذاتها التي تدرك موقع روسيا في هذا التطبيع سواء حضر الروس أم لم يحضروا في بغداد، لاسيما وأنها – أي تركيا- كانت قد صرحت بمرونة الدور الروسي في هذا المجال، وبالتالي فهي مطمئنة في هذا الجانب لكنها متخوفة من دخول أطراف أخرى تفرض نفسها على عملية التطبيع، ولهذا تُفضل تركيا أن يكون اللقاء ثنائياً، تخوفاً من تشابك الملف السوري – من جديد – بملفات إقليمية بتداعيات دولية أعقد، وهو مايتعارض مع أولويات التفاوض بين البلدين كمرحلة أولى.

تدرك تركيا أن روسيا كانت آخر دولة متدخلة بالشأن السوري، و بعد خمس سنوات من صراع دامٍ في العام 2015 وفي مرحلة كانت فيها كل من داعش وجبهة النصرة تسيطران على ثلثي مساحة سورية، بل وتدقان أبواب العاصمة دمشق، وهو الدخول الذي تزامن مع استصدار القرار 2254 الذي جاء باتفاق روسي أمريكي إلى جانب جميع الدول المعنية بالملف السوري، حيث وضع القرارالأممي في مقدمة أولوياته العمل أولاً على وقف إطلاق النار بدءاً من محاربة الجماعات المصنفة إرهابياً.

بالنسبة للموقف الأمريكي الذي أبدى موافقة مبطنة بشأن التطبيع  بين أنقرة ودمشق، فهو وإن جاء متسقاً وعقلية التفكير السياسي الأمريكي الذي أشار إلى عدم التطبيع مع النظام كحالة تقليدية، إذا مانظرنا  تاريخياً – ومنذ تأسيس الدولة السورية- إلى طبيعة العلاقة بين البلدين التي ظلت تدور في فلك عدم التطبيع قبل وبعد الصراع السوري.

يبقى الموضوع الأهم الذي يعمل عليه هذا التطبيع وهو عودة التفاوض بين النظام و” المعارضة”. ولهذا يتبدى السؤال الأكثر إلحاحاً وهو المقصود بـ “المعارضة” يقصد في إطار هذا التطبيع. فإذا كان القرار 2254 قراراً وضع الخطوط العامة للحل السياسي دولياً فإن التفاوض – دون أدنى شك- هو إرادة سورية سورية محضة، وبالتالي فمن حق السوريين أن يتساءلوا: هل سيكون هذا التفاوض بنفس الأشخاص والأدوات والآليات التي ملها السوريون منذ١٢ عاماً انتهت بفقدان ثقة السوريين بـ ” المعارضة الرسمية” المفروضة عليهم .  وهل سنعود لمرات ومرات أخرى لجولات من التفاوض العقيم بين أمراء الحرب عسكرياً وسياسياً، كحالة تعيد تقاسم الوطن السوري على طريقة المحاصصة بين أمراء الحرب. وبالتالي ألا يحق للسوريين أن يتساءلوا عن تاريخ هذه المعارضة وممارساتها ووطنيتها وخبراتها، خصوصاً وأن الغالبية العظمى منها قد تم تسميتهم لتمثيل المعارضة و مناقشة الدستور في أعقد صراع عرفه التاريخ المعاصر..

 وإذا كانت الأولوية الدستورية أحد حوامل التفاوض الذي تطالب به أنقرة، فإن من حق السوريين أن يتساءلوا أيضاً عن مصير وطنهم وقراره المستقل في مواجهة بضع أسماء من المعارضة الرسمية التقليدية، كما تساؤلهم عن موقع المعارضة الوطنية من تجمعات وشخصيات تمثل السواد الأعظم من المعارضة السورية التي ظلت خارج هذا التمثيل فقط لأنها رفضت – ومنذ البداية- عقيدة السلاح، وتدمير مؤسسات الدولة، والتدخل الخارجي، والطائفية.

 

في هذا السياق نقل الكاتب والمحلل السياسي الدكتور رامي الشاعر ماصرح به المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، ردا على سؤال من أحد الصحفيين خلال لقاء صحفي، بأن الكرملين ليس لديه ما يعلنه بشأن الحضور الروسي المحتمل في المفاوضات بين سوريا وتركيا في بغداد.

وأوضح الشاعر، لقد بدا ذلك التصريح غير واضح بالنسبة للبعض حتى أنهم تساءلوا ما إذا كان الكرملين قد تلقى دعوة لحضور المفاوضات أم لا. معلوماتي الشخصية أنه لن يتم مثل هذا اللقاء في بغداد، ولكني أؤكد أن روسيا ترحب بأي جهود تسعى إلى ذلك، لا سيما عندما تصدر من دولة مجاورة ولها حدود مشتركة مع تركيا وسوريا أو من دول المنطقة القريبة في الشرق الأوسط. ولطالما كانت روسيا في صدارة المعنيين بحل الخلافات وإحلال الأمن والاستقرار في المنطقة. وأريد أن أذكر هنا أن روسيا اضطرت للمساهمة في مساعدة سوريا بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، عندما كانت الخلاف شديدة الحدة بين بعض دول المنطقة، ما أدى إلى نشاط وتوسع غير مسبوق للتنظيمات الإرهابية والمدرجة على قائمة التنظيمات الإرهابية في سوريا ومنظمات المجتمع الدولي.

وشرح الشاعر تاريخية وأبعاد التدخل الروسي في سورية قائلاً، قد تغيرت خارطة سوريا والمنطقة بالفعل بعد 2015، عندما تدخلت روسيا عسكرياً بطلب رسمي من الحكومة السورية في توافق تام مع ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي الذي يكفل لأي دولة حق طلب المساعدة العسكرية من دولة أخرى، حال احتاجت إلى ذلك. وهنا أود التأكيد أيضا، وهو ما أؤكد عليه دائماً في جميع مقالاتي، أن استجابة روسيا لطلب القيادة الشرعية في سوريا أنقذت سوريا، وحافظت على بقاء الدولة السورية، وما تلا ذلك من تشكيل مجموعة دول أستانا (روسيا وتركيا وإيران)، التي ضمنت نظام التهدئة ووقف الاقتتال بين السوريين، والحد من نشاط التنظيمات الإرهابية وتوسعها، ثم سعت مجموعة دول أستانا، وتسعى دائماً أن يتوصل السوريون إلى توافق فيما بينهم، وتعديل دستوري يرضي الجميع ويجمع أطياف المجتمع السوري تحت مظلته، في إطار ما ورد بقرار مجلس الأمن رقم 2254، ومخرجات مؤتمر سوتشي للحوار السوري السوري لعام 2018.

وأضاف، للأسف، وحتى اللحظة، لم يتحقق ذلك، والمسؤولية تقع على جميع السوريين دون استثناء.

وأشار الشاعر إلى أهمية الدور العربي كحالة جوهرية في إطار هذا التطبيع قائلاً، مع ذلك، فما يطمئن اليوم هو أن بعض البوادر من الدول العربية قد بدأت تنشط لمساعدة سوريا، وهذا أمر مهم للغاية، ولولا تلك البوادر العربية، والتي لمحناها سواء في اجتماعي القمة العربية الأخيرين أو في مبادرة بغداد، لما صدر التصريح الوقح من الخارجية الأمريكية التي قالت إنها “لن تطبّع علاقاتها بسوريا، لكنه أبدى ترحيبا بسعي تركيا للتعاون مع الحكومة السورية من أجل تخفيف معاناة الأهالي”.

واتهم الشاعر الدور الأمريكي المعرقل قائلاً، وقاحة التصريح تكمن في التهرب من المسؤولية الأساسية التي تقع على عاتق الولايات المتحدة بعقوباتها الاقتصادية التي كانت سبباً رئيسياً في وصول عامة الشعب السوري إلى المآسي المعيشية التي حلت به طيلة السنوات الأخيرة، والتي تزداد يومياً.

ورأى الكاتب والدبلوماسي الشاعر، إن تسوية العلاقات السورية التركية ستفتح المجال لتخفيف تدهور الوضع الاقتصادي اليومي في سوريا، إضافة إلى حل الكثير من المشكلات وعلى رأسها وضع الشمال السوري، وقضايا اللاجئين، وإيجاد حل لوضع المعارضة والمسلحين، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وإنعاش الحوار بين المعارضة والنظام.. أي باختصار إنقاذ سوريا من الوضع الكارثي المتدهور يومياً، والذي تنعكس آثاره على عامة الشعب السوري.

وأشار الشاعر إلى أن الأحداث الأخيرة والتوتر الحادث، وتحديداً في الشمال الغربي لسوريا هو نتيجة لعدم رغبة فئة معينة من السوريين في تسوية العلاقات التركية السورية، لما يحمله ذلك من تضارب مع مصالحهم الشخصية والسياسية والمادية النفعية الضيقة، حيث تعود هؤلاء على مداخيل خاصة اعتادوا عليها في السنوات الأخيرة، وهذه الفئة من السوريين، وهي ليست بالقليلة (ربما يبلغ تعدادها المليون) يعتبرون أن مصالحهم ستتضرر لما اعتادوا عليه من التهريب والمتاجرة بالممنوعات وعدم الخضوع لأي قوانين، وتلك إحدى المشكلات التي يجب معالجتها لتعود سوريا إلى وضعها الطبيعي كدولة يسودها النظام والقانون على كافة أراضيها. إضافة إلى التوصل إلى حل عادل بخصوص حقوق الأكراد، والتمتع بحقوقهم وثقافتهم وتقاليدهم المحلية في مناطق تواجدهم ضمن الدولة السورية الموحدة، وأنا على ثقة بأنه ليس لدى أكراد سوريا أي نوايا انفصالية.

وأشاد الشاعر بالدور الإيجابي للسوريين الكرد في محاربة التظيمات الإرهابية قائلاً، يجب هنا ألا نتغاضى عن الدور الإيجابي الذي لعبه الأكراد في محاربة التنظيمات الإرهابية لا سيما في الشمال الشرقي، وكذلك دورهم في إدارة هذه المناطق وتأمين متطلبات الحياة لحوالي مليوني ونصف مواطن سوري، وبفضلهم تبقى الأمور أفضل بكثير من الوضع الذي حل بالشمال الغربي لسوريا، وهو ما يجب وضعه في الحسبان أثناء بدء عملية الانتقال السياسي السلمي نحو نظام جديد في سوريا يشارك فيه جميع مكونات الشعب السوري، وليكن هناك دور مشارك للمكون الكردي في هذه العملية.

وحول الموقف الروسي من التداعيات الخطيرة التي تعصف بالمنطقة قال الشاعر، لذلك، وعودة لبداية المقال، فإن روسيا تشجع أي دور عربي للمساهمة في تقريب وجهات النظر وإنهاء الخلافات بين دول منطقة الشرق الأوسط، وترحب بالتقارب الإيراني السعودي وعودة العلاقات بين البلدين، وحال دعيت روسيا للحضور أو المشاركة لأي جهود في تطبيع العلاقات السورية التركية لا شك ستتجاوب، خاصة وأن تسوية العلاقات السورية التركية ستكون آثارها إيجابية للغاية لبدء الحوار الجدي بين النظام في دمشق والمعارضة السورية المذكورة في قرار مجلس الأمن رقم 2254.

وركز الشاعر على أهمية العامل الداخلي للسوريين أنفسهم قائلاً،  أن العامل الداخلي السوري هو الأهم في خروج سوريا من الوضع المأساوي الراهن، ويجب على جميع السوريين أن يستوعبوا أنه بدون المبادرة الذاتية لن يكون هناك أي مردود لجميع الجهود والمبادرات العربية، ولن تستطيع تلك المبادرات إخراج سوريا من واقعها وهو ما يتطلب من التنظيمات والشخصيات المعارضة المختلفة وممثلي النظام في دمشق أرفع مستويات المسؤولية والتخلي عن الاتهامات المتبادلة وإلقاء المسؤولية على الطرف المقابل والتحلي بروح التسامح وقبول الآخر.  ولا يمكن التوصل إلى مخرج من الحالة الراهنة إلا على أساس المصالحة الوطنية والعمل المشترك لإنعاش سوريا من جديد، ومن أهم متطلبات نجاح هذه العملية والجهود المبذولة في هذا الإطار عودة العلاقات الطبيعية بين سوريا وجارها الأكبر تركيا.

وفي إشارة إلى الأدوار المعرقلة في الحل السوري قال الشاعر، ما يثير الدهشة في هذا السياق ما شرع فيه بعض العلماء والشخصيات السورية وممثلي المجالس الإسلامية وغيرها بكيل الاتهامات والانتقادات لتركيا على سوء معاملتها للاجئين، متجاهلين الدور الكبير الذي قامت به تركيا في تأمين وضع معيشي لحوالي ثلاثة ونصف مليون لاجئ سوري، إضافة إلى الدور الهام الذي لعبته تركيا ضمن مجموعة دول أستانا للحفاظ على نظام التهدئة ووقف الاقتتال بين السوريين، ومتجاهلين أيضا أهمية استقرار الوضع السوري على المناطق القريبة من الحدود التركية، والذي يرتبط بشكل مباشر مع الأمن القومي لتركيا. ولم يكن لتركيا يوماً أي نوايا لاحتلال أي أراض سوريا، وهي دائما ما تؤكد على أهمية احترام السيادة السورية ووحدة أراضيها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.