يبدو أن توقعات مهندس السياسة الأمريكية ووزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر (1923- 20239) تصح اليوم – استراتيجياً- أكثر من أي وقت مضى ، عندما صرح قبل أشهر من وفاته في مقابلة له على قناة CBS News ” أن العالم سيشهد مفاوضات بشأن أكرانيا بدءاً من نهاية العام 2023 بفضل الجهود الصينية” ومحذراً في الوقت ذاته من خطورة استعداء روسيا.
اليوم وبعد التحولات الخطيرة التي أفرزتها تداعيات حرب السابع من أكتوبر 2023 بعد عملية ” طوفان الأقصى” والتي تحولت إلى حرب إبادة جماعية يدفع ثمنها المدنيون الفلسطينيون، والتي أثارت سخطاً عالمياً أزاء مايحدث، يبدو أن أولويات كسر جليد المفاوضات أصبح يمهد أكثر فأكثر نحو حلول تحول دون التصادم بين القوتين النوويتين الأكبر في العالم، روسيا والولايات المتحدة.
في هذا السياق قال الكاتب والمحلل السياسي رامي الشاعر، تابعت المناظرة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ومنافسه الرئيس السابق دونالد ترامب، وآلمني أن أرى السياسي المخضرم جو بايدن في هذه الحالة وهو من يعتزم تمثيل الولايات المتحدة الأمريكية. ثم كانت قمة “الناتو” في واشنطن، وزلّات اللسان الجديدة، التي جعلت منه مثاراً للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي وما أكثرها في يومنا هذا. وأرى أنه لم يعد هناك خيار آخر أمام رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية سوى حلحلة أزمتي غزة وأوكرانيا.
وتوقع الشاعر أن يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة خلال أيام معدودة، والبدء بمفاوضات تخص ترتيب الأوضاع في غزة والضفة الغربية، فيما يخص الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بشكل عام، وإرضاء لجميع من اعترفوا بالدولة الفلسطينية وملايين المؤيدين ذلك داخل المجتمع الأمريكي نفسه.
وحول ماوصلته إليه الأوضاع على الصعيد الدولي قال الشاعر، أما فيما يخص توتر العلاقات الدولية بشكل عام، نتيجة تصعيد حلف “الناتو” ضد روسيا والصين، فأغلبية المجتمع الدولي أصبحوا يدركون تماماً أن الإدارة الأمريكية الحالية هي الوحيدة التي يمكنها أن تبادر في نزع فتيل الأزمة العالمية خلال 48 ساعة، والبدء فوراً بمرحلة جديدة من التواصل واللقاءات على كافة المستويات، والتفاوض من أجل ترطيب الأجواء الدولية والابتعاد تدريجياً عن كل خطوات التصعيد.
وركز الشاعر على ضرورة الابتعاد شيئاً فشيئاً عن خطر الصدام النووي الذي بدأ يلوح في الأفق ويرعب مليارات البشر حول العالم، واللجوء إلى اتخاذ خطوات فورية لتهيئة أجواء الحوار ومناقشة جميع القضايا الجدلية حول طاولة المفاوضات سلمياً، لا سيما بين روسيا والاتحاد الأوروبي، وروسيا و”الناتو”.
وحول تصريحات الرئيس بايدن الأخيرة قال الشاعر، لا أريد ولن أخوض في تفاصيل التصريحات الأخيرة للرئيس بايدن، ولا بتفاصيل الاتصالات التي جرت بين وزيري الدفاع الروسي أندريه بيلاوسوف، ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، وأكتفي فقد بتكرار ما أعلن عنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بأنه لا شيء يبرر العقاب الجماعي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وأن مستوى القتل في غزة أضحى لا مثيل له. وأضيف أيضاً أن الرئيس بايدن وإدارته يعون تماماً أن مستوى التضحية بالشعب الأوكراني على هذا النحو لخدمة أهداف “الناتو” ضد روسيا، بعد أن أصبح من الواضح للجميع، من خبراء عسكريين ومحللين سياسيين وصولاً إلى المسؤولين رفيعي المستوى في أوروبا والولايات المتحدة، أن روسيا لا يمكن أن تهزم.
وتابع بالقول، لهذا أرى أنه لم يعد أمام بايدن خيار آخر، في محاولة لكسب زخم ودعم الناخبين الأمريكيين في حملته الانتخابية سوى الاعتماد على هذه الخطوة الفورية بشأن القضية الفلسطينية وأزمة التوتر بين “الناتو” والاتحاد الأوروبي من جهة وروسيا والصين من الجهة الأخرى، وأن المنطق والعقل يدفعون نحو هذا المسار، بمبادرة من بايدن وإدارته الآن (“والآن تعني يوم أمس” كما قال الرئيس باراك أوباما يوما).
وختم الشاعر بالقول، أتمنى أن يكون تفاؤلي واقعياً وفي محله، وأن تكون الإدارة الأمريكية قد بدأت تفكر بشكل جدي في إنقاذ وضعها وموقفها الحرج، خاصة وأنا التاريخ لا ينسى مثل هذه المواقف بخصوص الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، ومخاطر حدوث صدام نووي بين روسيا و”الناتو”.
- كاتب ومحلل سياسي ودبلوماسي فلسطيني.