أخبار ||

الله يعين الشعب السوري..!

 الكاتب: رامي الشاعر ، باحث و محلل سياسي سوري.

تعودت حينما أبدأ في كتابة أحد المقالات أن أمضي وقتا طويلا في التفكير، حول ما يسمى بالـ Lead in، أو المدخل للمقال، الذي يمكن أن يحمل في طياته الهدف الذي أقصده من كتابته، ويعبرّ في ذات الوقت عن مضمونه، ويندرج تحت عنوانه الشيق، الذي يمكن أن يجذب فضول القارئ، ويدفعه لقراءته.

اليوم، أريد أن أشارككم تجربة جديدة قمت بها، لعلها تكون المدخل إلى هذا المقال، لكن نتائجها لا زالت عصية على التقييم، ربما لكونها بداية لما يمكن أن يكون أعمق وأشمل وأكثر رحابة وقبولاً للآخر. أتمنى أن يتسع صدر القارئ الكريم لهذه التجربة ويقيّمها من منظوره، بقدر استيعابه لها وانطباعاته عنها وعن نتائجها.

لقد فرض علينا فيروس الكورونا نمطا جديداً من الحياة لم نعهده من قبل، بل قل إن الفيروس قد فرض على البشرية عصراً جديداً  ابتدع له بعض المثقفين مصطلح ” ما بعد الكورونيالية ”  Post-Coronialism، تنبؤا بالتغيرات الجذرية التي بدأت وستحل حتما بعالم ما بعد الكورونا، ولن تكون منطقتنا في ذلك استثناءا. أقول إن الحجر الصحي المرتبط بالكورونا فرض علينا جميعا مراجعات جذرية وضرورية، ومواجهات حتمية، لعل أولها مع النفس، ثم مع المبادئ والقيم والقناعات والمسلمات. ذلك أمر تخطى الأشخاص وأصبحت تواجهه الدول العظمى والكبرى قبل دول العالم النامي، لذلك رأيت أن أشغل تفكير الأصدقاء والرفقاء والأخوة برسالة وجهتها إلى السوريين، في صورة مقال حمل عنوان “رسالتي إلى السوريين”، وتجاوبت أسرة تحرير صحيفة “رأي اليوم” مع طلبي بنشرها على موقعهم، ولهم جزيل الشكر. لقد فضّلت أن أنشر رسالتي على موقع عربي لخصوصيتها، وخصوصية جمهورها، الذي أود أن أقدم نفسي إليهم بوصفي كاتب ومحلل سياسي سوري، حيث تساءل كثيرون عما إذا كنت روسيا أو فلسطينيا! أؤكد هنا أنني أفتخر بجنسيتي السورية التي أتمتع بها، ولذا كانت الرسالة التي كتبتها إلى أهلي ووطني الحبيب سوريا.

لقد فوجئت بعد نشر المقال، بردود أفعال كثيرة من شتى الاتجاهات، فبادرت إلى إرسال تنويه إلى مجموعة نقاش على أحد تطبيقات الهواتف الذكية، بأني سوف أنشر جميع التعليقات والمداخلات التي تصلني بخصوص المقال دون ذكر أسماء من كتبوها  بغرض تبادل الأفكار و المبادرات و التعاون  على بلورة رؤية اقرب ما تكون الى الموضوعية للمساهمة في دفع عملية الانتقال السياسي في إطار قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يستند إلى إصلاح  دستوري ينقذ الشعب السوري من الوضع المأساوي الذي يعيشه.

إن ما دفعني لكتابة “رسالتي إلى السوريين” هو أن أوضّح لمن فقد الأمل، واستسلم لفكرة نهاية سوريا ونهاية الوحدة والسيادة والحدود وتكامل الأراضي وحق تقرير المصير، أن إرادة الشعوب فوق كل شيء، وأنه يتعين علينا التمسك بوحدة التراب السوري، والنضال من أجل الحفاظ على كل المكتسبات بالرغم من صعوبة الظروف التي مرت وتمر بها البلاد.

لقد وصلني خلال يومين 511 مشاركة وتعليق، يستحق الكثير منها أن ينشر في مقالات منفصلة في الصحف ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. شارك الجميع بصدق ورغبة حقيقية في التغيير والسعي لمستقبل أفضل لسوريا والسوريين، ولم تقتصر المشاركة على أصحاب القضية وحدهم، بل شملت بعض المستشرقين وبعض السفراء العرب المعتمدين في موسكو، إلى جانب بعض الأشقاء العرب. كانت المشاركة السورية هي الغالبة بطبيعة الحال (85% من المشاركات)، وكتب السوريون من شتى بقاع الأرض. ربما سأسعى يوما إلى نشر الكثير من هذه المداخلات بين دفتي كتاب، نظرا لأهمية تنوع الآراء التي وصلتني.

ما أود أن أشارككم إياه اليوم هو دراسة أولية من خلال من شاركوا في الرد على “رسالتي إلى السوريين”، حيث كان مضمون المشاركة كالتالي:

60% من المشاركين يؤيدون عملية الانتقال السياسي على أساس إصلاح دستوري وتنفيذ لقرار مجلس الأمن رقم 2254.

20% من المشاركين لا يؤمنون بأن المجتمع الدولي يمكن أن يساهم في حل الأزمة السورية من خلال تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254. وغالبية هؤلاء مقتنعون بأن المقاومة واستخدام القوة ضد النظام هو السبيل الوحيد للتخلص من النظام “القمعي الأمني” وتغيير الوضع في سوريا.

10% من المشاركين لا يعترفون نهائيا بقرار مجلس الأمن رقم 2254، ومتمسكون بالدولة السورية كما هي على حالها، ومستعدون لتقديم حياتهم فداء لها، ومن أجل أن يبقى الرئيس السوري، بشار الأسد، حاكما إلى الأبد.

5% من المشاركين يرون ضرورة أن تلعب جامعة الدول العربية الدور الأساسي في إنهاء معاناة الشعب السوري، وليست المشكلة بالنسبة لهم فيمن يحكم سوريا، بينما لا يوجد حتى الآن شخصية بديلة للرئيس الأسد.

5% من المشاركين يراهنون على أن الحل الوحيد في سوريا هو بانقلاب عسكري.

وأثناء كتابتي لهذا المقال، كتب لي أحد النشطاء السوريين اقتراحا بأن هيئة حكم انتقالي تشكّلها روسيا قد تكون هي الحل الأمثل للوضع في سوريا، فكان ردي أن هذا شأن سوري خاص، حتى لو لم يتعارض ذلك مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، لكن الأمر بيد السوريين وحدهم، من خلال الحوار السوري-السوري، فردّ علي بالمثل الشعبي: “عيش يا كديش ليطلع الحشيش!”.

لقد وردتني كذلك تساؤلات حول تجنيد القوات الروسية المرابطة في سوريا لأبناء  الجنوب السوري وإرسالهم إلى ليبيا!

بهذا الصدد  يؤسفني أن أعلن أن تدفق المرتزقة من الشباب السوريين إلى ليبيا، إنما يأتي عن طريق مكتب السفارة الليبية التي افتتحت مؤخرا في دمشق، والتي تحولت إلى مركز تجنيد لهؤلاء. وكان من الأجدى للقيادة السورية ألا تتدخل في الشأن الليبي في ظل الظروف الراهنة.

أما ضباط المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتنازعة في حميميم، فهم موجودون في الجنوب للمراقبة على مناطق خفض التصعيد، وقد ساهموا بشكل مباشر في التوصل إلى مصالحات بعد نشوب خلافات بين بعض العائلات والقبائل، بالإضافة إلى مواجتهتم المستمرة لمحاولات الاستفزاز المستمرة التي تقوم بها جهات تسعى لخلق صدامات لعرقلة تطبيق اتفاقية التهدئة والجهود المبذولة لخلق ظروف مواتية للشروع في عملية الانتقال السياسي، وهي نفس المحاولات الاستفزازية التي تقوم بها من حين لآخر في الشمال السوري جماعات إرهابية مسلحة تابعة لأجهزة أمنية معينة، وكل ذلك في محاولات يائسة لإفشال الاتفاق الروسي التركي، وتعطيل عمل الدوريات المشتركة، وعملية فصل الإرهابيين المدرجين على قوائم الإرهاب الدولي عن المعارضة المعتدلة.

كذلك تطرّق عدد من المداخلات لما سمي بـ “الحملة الإعلامية” التي تشنها وسائل إعلام روسية ضد الرئيس بشار الأسد، والفساد الاقتصادي في سوريا، وكان جوابي أنه من السذاجة أن تلجأ دولة عظمى مثل روسيا إلى استخدام أساليب من هذا النوع ضد رئيس دولة صديقة، وزميل كفاح لها في خندق الحرب على الإرهاب الدولي، كما أردت أيضاً بهذا الصدد أن أشدد على أن ” الحملة الإعلامية” لم تكن سوى مبادرات من بعض الشخصيات الروسية، لاتحمل من قريب أو بعيد أية صفة رسمية، وفيما يخص ماقيل أنه نشر على صفحات ” البرفدا “، فأود هنا أن أوضح أن جريدة ” البرفدا ” لم تعدتصدر لأاكثر من شهر بسبب جائحة كورونا، أما إذا كان المقصود هو موقع ” برفدا” فإن الموقع الذي نشرت عليه تلك المقالات ، لاعلاقة له بجريدة ” البرفدا”، وحتى إذا افترضنا جدلا أن جريدة “البرافدا” هي من نشر المقال، فإن تلك الجريدة نفسها تصدر عن الحزب الشيوعي الروسي، ولا علاقة لها بأجهزة الدولة من بعيد أو قريب.

لقد توصّلت، وهو الأهم، بعد ما  تلقيت من تعليقات وآراء إلى أن 60% من المشاركين، وبعد 9 سنوات من الأزمة السورية، وبعد ما حل بسوريا من دمار، توصلوا لقناعة أن الحل لن يكون سوى عبر تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254  بالكامل.  وهنا أود الإشارة إلى أن العينة المشاركة في التعليقات والآراء هم من نخبة المجتمع السوري، من العاملين في مؤسسات الدولة السورية، والمعارضين المتواجدين في الداخل والخارج، وكذلك شريحة من رجال الأعمال.

ألا يدعو ذلك للتفكير بجدية في مواجهات ومراجعات حقيقية للمواقف والمسلمات، بحثا عن توازنات وتنازلات ومساحات مشتركة، من أجل ما هو أسمى وأرقى وأبقى، من أجل الوطن، ومن أجل المواطن السوري المنهك الذي لم يعد يحتمل أكثر من ذلك. والله يعين الشعب السوري!

المصدر: رأي اليوم.

الآراء الواردة في هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها، ولاتعبر – بالضرورة- عن رأي الموقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.