أخبار ||

الباحث والمحلل الاستراتجي د. رامي الشاعر: دفوعات روسية لوضع سورية على الطاولة العربية، وحوار مع الإدارة الأمريكية، وتسريبات خطيرة حول الانتخابات الفلسطينة، وتخوف من انفجار الأوضاع في بنغازي.

  • سمعنا تصريحات هامة حول “عودة سوريا” إلى محيطها العربي، وإجراء حوار مع الإدارة الأمريكية بصدد رفع العقوبات.
  • الولايات المتحدة الأمريكية لا يديرها رجل واحد، بل تديرها استراتيجيات تضعها النخب الحاكمة.
  • المنطقة العربية، نظرياً، لا تفتقر إلى أي شيء، إلا أنها أسيرة أسيرة لأجندات خارجية.
  • في لبنان، تبدو إعاقة فريق الرئيس عون لتشكيل الحكومة غير مفهومة في ضوء التدهور المتسارع للبنان.
  • في فلسطين، وبالرغم من نجاح الجهود المصرية في رأب الصدع، إلا أن هناك تسريبات لمنع إجراء الانتخابات الفلسطينية، لذلك فمن الصعب توقّع كيف ستتطور الأوضاع.
  • أهم مايجب التركيز عليه هو التمسّك بقرارات الشرعية الدولية التي تعترف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران يونيو 1967 وعاصمته القدس الشرقية.
  • في ليبيا أقلقتني رسالة تلقيتها من أحد الأصدقاء الليبيين تفيد أنّ الأجواء المحيطة بالعملية السياسية محفوفة بالمخاطر، فـ ” “الوضع في بنغازي خارج السيطرة، وهناك احتمال بتفجر الوضع، خاصةً وأن الحكومة الجديدة لم تبسط سيطرتها الكاملة بعد”.
  • جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في دول الخليج أوائل مارس وُصفت بأنها “ أكثر من مثمرة”، لحل المشاكل الإقليمية في سوريا وليبيا واليمن. وخلال الزيارة سمعنا تصريحات هامة حول “عودة سوريا” إلى محيطها العربي، وإجراء حوار مع الإدارة الأمريكية بصدد رفع العقوبات.

في حوار مع جريدة “أرغومنتي إي فاكتي” الروسية، طرح الكاتب والمحلل السياسي، رامي الشاعر، رؤيته لمستقبل الشرق الأوسط في ظل الكثير من التعقيدات والتدخلات الأجنبية وفي مرحلة تعصف بالمنطقة تحولات مصيرية في قلب منطقة الشرق الأوسط خصوصاً في سورية ولبنان وفلسطين واليمن.

وجاء في الحوار: “خرج الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بتصريحاته المستفزة التي تصدرت عناوين الأنباء، ولا أظن أن تلك كانت مصادفة. فالولايات المتحدة الأمريكية لا يديرها رجل واحد، حتى لو كان الرئيس، بل تديرها استراتيجيات تضعها النخب الحاكمة، استناداً لمصالح رؤوس الأموال والمؤسسات الضخمة العابرة للقارات، والتي يخدمها فريق الإدارة الأمريكية، والحديث هنا عن أي إدارة أمريكية، وليس شرطاً أن تكون إدارة بايدن.

لا شك أن هناك الكثير من القضايا الداخلية التي دفعت الإدارة الجديدة إلى تبنّي هذه “الملاسنة” الفجة، سواء فيما يتعلق بالوضع الصحي والاقتصادي الناجم عن أزمة كورونا، أو ما تمر به الإدارة من مصاعب في تضييق الفجوة والانقسام المجتمعي الذي خلفته الإدارة السابقة، وميراث دونالد ترامب، الذي تكلل باقتحام الكونغرس الأمريكي، والخلافات الحادة حول قضايا الهجرة وحمل السلاح وغيرها.

هنا، تظهر روسيا، وقبلها الاتحاد السوفيتي، كطوق نجاة أكيد، بينما يعجز كثير من الأمريكيين البسطاء من التفريق بين روسيا والاتحاد السوفيتي، وتتجسد تلك الدولة، أيّاً كان اسمها، في شخص الرئيس الروسي صاحب الكاريزما المؤثرة، فلاديمير بوتين، ليكون العدو الأول للديمقراطية، والتهديد الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية. ويصبح من السهل حشد الديمقراطيين والجمهوريين لمواجهة ذلك “العدو اللدود”. وكلما كانت جرأة الرئيس الأمريكي على استفزاز روسيا، كلما ارتفعت أسهمه وتأييده والتعاطف معه في الداخل. هذه هي المعادلة بكل سذاجة وبساطة.

لقد كان تمديد معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية عقب مكالمة هاتفية بين الرئيسين الروسي والأمريكي بادرة طيبة، عقدنا عليها الآمال، بأن يبدأ الرئيس، بايدن، وإدارته الجديدة، عهداً جديداً يمكن خلاله البحث عن نقاط التلاقي والتفاهم، بدلاً من تعزيز وتضخيم نقاط الخلاف والعداوة. إلا أن مرض “الهيمنة” العضال، الذي تعاني منه الولايات المتحدة الأمريكية، يجبر أي رئيس أمريكي أن يكون أسيراً له، ويتذكره وحده حتى ولو عجز عن تذكّر اسم وزير دفاعه، واسم وزارته.

تعجز الولايات المتحدة الأمريكية عن استيعاب حقيقة أن العالم قد أصبح فعلياً متعدد الأقطاب، وأن مفهوم “أحادية القطب” أصبح جزءاً من الماضي. وما ينتظره العالم الآن هو الحوار لا المواجهة، لأن كثيراً من مشكلات العالم، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط، سوف تكون عصية على الحل بدون الجهود المشتركة للقوتين العظميين المؤثرتين في المنطقة بدرجات متفاوتة.

إن المنطقة العربية، نظرياً، لا تفتقر إلى أي شيء، بل تتمتع بكل الموارد الممكنة، طبيعية وبشرية. إلا أن تلك الموارد أسيرة لأجندات خارجية، على رأسها الأجندة الأمريكية. ويكفي النظر إلى دول الخليج، ذات المدن الخلابة، التي تبدو مجرد أصداء خاوية لاستخدام تلك الموارد، بينما تستقر كل الثروات في البنوك الغربية، وتذهب لتمويل البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية والناتو. في الوقت الذي تعجز فيه هذه الدول، حتى وإن رغبت في قرارة نفسها، عن مساعدة أشقائها العرب في أرجاء الوطن العربي المقسّم والمنهار والذي يعاني من كل أنواع الحروب والصراعات والأزمات، دون إذن من الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعقد صفقات أسلحة ونشر قوات أمريكية بقيمة 500 مليار دولار، لتخلق تلك الأموال وظائف لملايين الأمريكيين، وتحرم ملايين العرب من حق الحياة.

إن تكلفة النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط باهظة للغاية. ونحن نرى بأم أعيننا شعوباً في اليمن وسوريا ولبنان تموت من الجوع والفقر والمرض، في الوقت الذي تستخدم فيه الولايات المتحدة الأمريكية موارد الدول العربية لمصالحها الخاصة، فتغدق على من تشاء، وتمنع عمّن تشاء، وتعاقب من تشاء دون رقيب أو حسيب.

في لبنان، تندلع مظاهرات حاشدة تطالب بأبسط حقوق الإنسان، وتوشك البلاد على الانهيار في ظل كارثة حقيقية، وتضخم مفرط، بينما أصبح سعر الدولار الأمريكي الواحد 13 آلاف ليرة لبنانية، وسقط الكثير من المواطنين في هوة الفقر والعوز، وانقطاع الكهرباء، وشح الغذاء. في الوقت ذاته، بالتوازي، يقف حول الرئيس اللبناني، ميشيل عون، مجموعة من المستشارين الأمريكيين، ليس من مصلحتهم أن يخرج لبنان من أزمته حتى اللحظة، لحين تنفيذ الأجندة الأمريكية، مهما كلف ذلك من أرواح وأموال. ويقف هؤلاء أمام قبول مقترحات رئيس الوزراء المكلف، سعد الحريري، لحكومة “اختصاصيين”، دون أن تخضع لأي أجندة تخدم قوى سياسية معينة في لبنان، حيث تبدو إعاقة فريق الرئيس عون لتشكيل الحكومة غير مفهومة في ضوء التدهور المتسارع للبنان.

ولا يتعلق الأمر بلبنان وحده بطبيعة الحال، فهو ورقة مساومة في لعبة سياسية أوسع، تستخدم لتحقيق أجندة إسرائيلية تسعى لخنق النفوذ الٍإيراني في سوريا والمنطقة، وتوسيع رقعة النفوذ الإسرائيلي في الشرق الأوسط. وبعد أن تمكنت روسيا من القضاء على داعش في سوريا، وبعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وإنشاء مناطق للتهدئة على الأراضي السورية، بالتنسيق ما بين الدول الضامنة روسيا وتركيا وإيران، تضع الولايات المتحدة الأمريكية اللاجئين السوريين في لبنان والشعب السوري بين مطرقة “قانون قيصر” وسندان الوضع اللبناني المتأزم.

إن الولايات المتحدة الأمريكية تعيق حتى تقديم المساعدات الإنسانية لشعوب الشرق الأوسط المنكوبة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يعجز الأثرياء من اللبنانيين والسوريين، ممن يعيشون في الخارج، عن تحويل أموال إلى ذويهم وأقربائهم في سوريا، خشية حظر حساباتهم. كذلك ترفض شركات الشحن الدولية تسليم الإمدادات الإنسانية، لتجنب الوقوع تحت طائلة العقوبات الأمريكية.

كان المرء يتمنى أن يرى في بايدن شيخاً مسنّاً رحيماً يرأف بحال الملايين من البشر في منطقتنا البائسة، إلا أنه، مع الأسف، ليس سوى “رئيس أمريكي آخر”، يقول ما يملى عليه، أو بمعنى أدق، ما تمليه عليه مصلحة رؤوس الأموال والمؤسسات الاقتصادية الضخمة العابرة للقارات.

في فلسطين، تستخدم إدارة البيت الأبيض نفوذها لمنع إعادة توحيد الفلسطينيين، ما بين قطاع غزة والضفة الغربية. وعلى الرغم من نجاح الجهود المصرية في رأب الصدع، والاتفاق على إجراءات انتخابات عامة في البلاد، انتخابات برلمانية في مايو 2021، تعقبها انتخابات رئاسية في يوليو، وهو قرار أيّدته مختلف التنظيمات الفلسطينية بما في ذلك فتح وحماس، إلا أن المشكلات بدأت بعد ذلك، حيث تسرّبت بعض المعلومات بأن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية قد اتفقتا على منع إجراء الانتخابات الفلسطينية لذلك فمن الصعب توقّع كيف ستتطور الأوضاع.

لذلك يتطلب هذا الوضع من السلطة الوطنية والقيادات الفلسطينية كافة استعادة الوحدة الفلسطينية، ودور منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والمعترف به من قبل هيئة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، والتمسّك بقرارات الشرعية الدولية التي تعترف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران يونيو 1967 وعاصمته القدس الشرقية. وهذا أهم ما يجب التركيز عليه لمواجهة ما يراهن عليه أعداء الشعب الفلسطيني من اندلاع الخلافات داخل فتح، وبعدها ربما صدامات مع حماس، وحرب انتخابات، يتوقع الإسرائيليون أن تفوز بها حماس، وهو ما يرفضونه ويراهنون على العزلة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، على أن يبقى الوضع كذلك للأبد، حتى يتم ضم الضفة لإسرائيل، بدعاوى تحسين حياة سكانها على المستوى المعيشي والاقتصادي، ما يجعل سكان الضفة يرضخون للأمر الواقع، مثلما كان الوضع تحت الوصاية الأردنية من قبل، ثم تعلن بعد ذلك دولة فلسطينية منقوصة في قطاع غزة. وهو ما يشي برائحة “صفقة القرن” المشبوهة، والمرفوضة فلسطينياً.

في ليبيا يلوح بريق أمل كبير، يعتمد بشكل أساسي على تحلّي الليبيين جميعاً بحس المسؤولية الرفيعة، للحفاظ على ما تم التوصّل إليه بوساطة هيئة الأمم المتحدة. ربما لا ترضي النتائج التي تحققت طموحات البعض، لكنها لا شك خطوة مهمّة لبدء الخروج من الكارثة الإنسانية التي يعاني منها عموم الشعب الليبي. إلا أن ما يقلقني في الشأن الليبي هو رسالة تلقيتها من أحد الأصدقاء الليبيين أضعها أمامكم، حرصاً مني لوضع الليبيين في صورة الأجواء المحيطة بالعملية السياسية ومخاطرها، بغرض تفادي هذه المخاطر، وهذا نص الرسالة:

“الوضع في بنغازي خارج السيطرة، وهناك احتمال بتفجر الوضع، خاصةً وأن الحكومة الجديدة لم تبسط سيطرتها الكاملة بعد.

رئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة يحاول عرقلة الانتخابات في موعدها، على الرغم من الضغوط الدولية بشأن ضرورة إجرائها في موعدها، ويعتمد في ذلك على تحسين بعض الخدمات للمواطنين مثل توفير الكهرباء والتغلب على مصاعب نقص السيولة.

كان الاجتماع الأول لمجلس الوزراء سيئاً للغاية، بسبب انفراد الدبيبة بكل شيء. ومن المرجح أن يكون هناك حراك شعبي واسع ضد حكومة الدبيبة بعد انتهاء شهر رمضان”.

في أوائل مارس، قام وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بجولة في دول الخليج، وُصفت بأنها “أكثر من مثمرة”، تمت خلالها مناقشات مباشرة وعملية لحل المشاكل الإقليمية في سوريا وليبيا واليمن. وخلال الزيارة سمعنا تصريحات هامة حول “عودة سوريا” إلى محيطها العربي، وإجراء حوار مع الإدارة الأمريكية بصدد رفع العقوبات.

بالطبع أثارت تلك الزيارة استياء الولايات المتحدة الأمريكية، بوصف تلك الدول واقعة تحت تأثير “الهيمنة” الأمريكية، ولا أقول “الوصاية”! وربما يكون ذلك من بين الأسباب التي دعت فريق بايدن اللجوء إلى المواجهة الشفهية المباشرة في تصريح بايدن المثير للجدل.

لقد انتهت الحرب الباردة، ولا أحد يرغب في استعادة تلك الأجواء المقبضة، التي يخيم فيها على البشرية خطر المواجهة النووية بين قوتين عظميين. كذلك فإن روسيا ليست الاتحاد السوفيتي، لكنها وفي الوقت نفسه ليست روسيا التسعينيات، لذلك يبدو فرض الإملاءات وانتهاج سياسة العقوبات والحصار الاقتصادي، والتدخل في الشأن الداخلي لروسيا، وعلاقاتها بالشرق الأوسط، بل والتدخل في الشرق الأوسط، لمحاولة الضغط عليه، وإزاحة روسيا (لا الاتحاد السوفيتي هذه المرة!) من المنطقة كما حدث في سبعينيات القرن الماضي، يبدو ذلك كله أقرب إلى العبث والرعونة السياسية وعدم الوعي بمستجدات المشهد السياسي الدولي.

لابد وأن تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أن تنفيذ أجندة “الهيمنة” ووهم “أحادية القطبية”، من خلال تقمّص دور “رسول الديمقراطية والحرية”، لعبة قديمة ومكشوفة، والتدخل في شؤون الدول المستقلة ذات السيادة لا يمكن أن يحمل سوى أصداء “الوصاية” و”الاستعمار”، وذلك عهد قد ولّى.

المصدر: آرغومنتي أي فاكتي.

المقالة تعبر عن رأي الصحيفة أو الكاتب.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.