أخبار ||

 رامي الشاعر يوضح الدور الروسي في سورية والموقف من الأسد.

 نشرت صحيفة ” الرأي العام ” مقالاً لمستشار وزارة الخارجية الروسية الكاتب والمحلل السياسي رامي الشاعر بعنوان” الدور الروسي في سورية: بين الحقيقة والمنهج وأوهام الشعبوية” كشف فيه الكاتب حقيقة الموقف الروسي من سورية و”الموقف من الأسد” وموقع روسيا في المنطقة تاريخياً مقارناً ذلك بالموقف الأمريكي. وأفرد الشاعر حديثاً لم يقدم فيه رأيه الشخصي بقدر ما أفرد سرداً للوقائع على الارض تاركاً القارئ يحكم في نهاية المطاف.

وتطرق الشاعر في مقالته حول الانتقادات الموجهة من البعض حول الدور الروسي في سورية، وعزى ذلك لأدوار الجماعات المتطرفة التي نجحت في تثوير ماكينة الإعلام والذباب الألكتروني – حسب وصفه- معتبراً أن روسيا انتظرت خمس سنوات قبل أن أن تتدخل في سورية، وذلك بعد أن وقع ثلثي البلاد بقبضة جبهة النصرة وداعش، الأمر الذي يهدد الدولة والشعب السوري على حد سواء. وذكّر الشاعر بحقيقة أن روسيا ما أن تدخلت حتى صاغت القرار 2254 مع الدول جميع الدول المعنية بالملف السوري وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

وأشار الشاعر في بداية حديثه إلى تاريخية هوية الساسة الخارجية الروسية، قائلاً : ” منذ بدايات القرن العشرين وصف عالم الجيوبوليتك الأمريكي ألفرد ماهان ( 1840- 1914) روسيا بـ ” قلب الأرض الأوراسي” بسبب امتلاكها امتداد جيوبوليتكي على سواحل وبحار القارتين الأوروبية والآسيوية، ماجعلها – أي روسيا- قلعة يصعب اقتحامها. بالرغم من ذلك لم تنتهج روسيا عبر تاريخها الطويل سياسة التوسع، إذ لم تذهب روسيا يوماً لاحتلال بلد مهما كان ضعيفاً، وبالتالي لم يكن لها أي مطامع في الشرق الأوسط والمنطقة العربية على شاكلة الاحتلالات البريطانية والفرنسية، قبل أن تتحول موازين القوى بعد الحرب الثانية لصالح الولايات المتحدة التي ظلت في حرب باردة مع الاتحاد السوفياتي السابق، الذي ساعد على الإبقاء على الدولة الوطنية في المنطقة العربية.

وتابع ” في مواجهة ذلك، طرح منظر الواقعية السياسية رينهولد نيبور (1892- 1971) فكرة ” أن من يسيطر على الشرق الأوسط يسيطر على أوروبا” ومن هنا بدأ استعداء الدور الروسي في المنطقة، ولم يشفع للاتحاد السوفياتي انتصاره على النازية وما قدمه من تضحيات وصلت لأكثر من 26 مليون ضحية”.

وحول مقارنته بين الدورين الروسي والأمريكي في المنطقة العربية قال الشاعر” مع تفكك الاتحاد السوفياتي وتفرد الولايات المتحدة بعد هذه المرحلة بالعالم، بدأت سلسلة التدخلات والاحتلالات للمنطقة العربية من خلال المشروع الذي طرحته وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس والمعروف بـ ” الشرق الأوسط الجديد” الذي انتهى بأبشع كارثة  دفعت وتدفع ثمنها المنطقة والعالم إلى يومنا هذا بسبب الاحتلال الأمريكي للعراق، والجميع يتذكر الموقف الروسي المعارض بشدة في مجلس الأمن الدولي لهكذا مخاطرة أمريكية، وقد تأكد ذلك عندما أصبح  العراق ” مفرخة” للحركات الجهادية التي اشتغلت على فكرة الخلافة والجهاد المستمر ومقدمة للانفراط عقد الدولة القطرية وتفكيكها والاقتتال بين أبنائها، بدءاً من العراق وانتهاء بسورية التي ترزح اليوم تحت ثلاث سلطات لحكومة وشعب يرزح عقوبات اقتصادية تقتل الشعب يؤازرها فساد في مناطق الحكومة السورية، وجماعات متطرفة في الشمال لا علاقة لها بأي تغيير يليق بتطلعات السوريين، وسلطة أمر واقع تستقوي بالأجنبي المستعد للتخلي عنها بأية لحظة.

وحول الموقف الروسي في سورية بين أعوام 2011- 2015، أكد الشاعر أن روسيا اعتبرت الاحتجاجات شأن داخلي بالرغم من التوغل الغربي في سورية ومآلاتهز ,اشار أنه ” مع اندلاع احتجاجات السوريين المحقة من أجل التغيير في سورية سنة 2011، اعتبرت روسيا ما يحدث في سورية شأناً داخلياً، لهذا لم تتدخل حتى العام 2015. كانت روسيا تدرك التدخلات الخارجية وتعرف الدول التي استحوذت على الملف السوري دون أن تتدخل بالرغم من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي كان يتحدث عن فكرة ” التوازن على الأرض بين النظام السوري والمعارضة المسلحة” التي كانت مدعومة يومها من الأمريكان. ولم تتدخل روسيا أيضاً بالرغم من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر الذي تحدث عن ” بلقنة سورية وتفكيكها كحل لمشكلات المنطقة”.

وأضاف ” بالرغم من ذلك كانت روسيا تنظر بعين الدولة التي تتأمل أن يكون للسوريين رأيهم وقراراهم في مواجهة ما يحاك لبلادهم. لذا اكتفت بلقاء غالبية مكونات المعارضة السورية لتسمعهم رأيها، عسى أن يخرجوا بحل سوري يبعدهم عن شبح ما يحاك لهم”.

واكد الشاعر أن روسيا  حتى هذا التاريخ كانت مجرد ناصحة من أن يسقط السوريون في أتون المشروع الذي يعمل على التوازن، وبالتالي الإبقاء على النظام وتدمير سورية وهو ما حصل بالفعل.

وتساءل الشاعر بالقول، ” ثمة سؤال كبير نطرحه نريد الإجابة عليه من قبل أولئك ضحايا الشعبوية التي استعدت الدور الروسي في سوريا: ما الذي فعله ما سمي بـ ” اصدقاء سورية من الأمريكان والغربيين لسورية قبل التدخل الروسي 2015 سوى أنهم اغتالوا الحراك المدني السوري وسلموا ثلثي مساحة سورية لداعش وجبهة النصرة. أتمنى أن يعود الجميع إلى وضع سورية ما قبل 2015 حيث عواصم الخلافة ومناظر الرؤوس المقطوعة والأجساد المصلوبة في الشوارع، وهو ذاته المشروع الذي أصبح يهدد العاصمة لتسقط البلاد في أتون صراعات بينية بين الجماعات الجهادية التي كانت تتقاتل فيما بينها على الغنائم، فكيف لو سقطت الدولة برمتها.”

وعن موقف روسيا من الأسد أكد الشاعر أنه ” لا يشبه – بالتأكيد – التصريحات الأمريكية التي تقول على العلن بأنها لا تعمل على تغيير النظام السوري ولكن تغيير سلوكه فقط، كموقف غريب ومعوم وباهت. بالمقابل فإن موقف روسيا اثبتته الخمس سنوات الأولى من الحراك الجماهيري – أي قبل تدخل روسيا في العام 2015- ما يثبت أن روسيا كانت مع خيار السوريين، وهو الخيار الذي تاجر به البعض ممن يهاجمون روسيا الآن وباعوه لأصدقائهم الغربيين الذين بدل أن يعطوا السوريين الحرية والكرامة، فقد أعطوهم داعش وجبهة النصرة لتسيطر على سورية، وبما يحول دون أي حل ويسمح بتدمير البلاد والعباد”.

وعن الدور الروسي في صياغة القرار 2254، قال الشاعر ” في 18 كانون أول 2015 جلس ممثلو الولايات المتحدة وروسيا على طاولة واحدة، ودافعت روسيا عن صياغة خارطة سلام في سورية، تبدأ بتشكيل جسم انتقالي يقود التغيير في سورية استناداً لنص المادة 4 من القرار، كما تضمن القرار ذاته محاربة الجماعات المصنفة إرهابياً، على اعتبار أن لا تطبيق للقرار قبل القضاء على هذه الجماعات بما يؤسس لعملية سياسية تشمل كل الأراضي السورية، ومن هذه النقطة بالذات بدأت روسيا بتصفية الجماعات المتطرفة كمطلب شعبي سوري أولاً، وليس مطلباً للواهمين أو الشعبويين أو الذباب الالكتروني الذي يقف داعماً لهذا الفكر المتطرف والغريب عن بنية المجتمع السوري”.

وتحدث الشاعر عن أدوار الجماعات المتطرفة في تشويه صورة روسيا قائلاً ” لقد  لعبت الخطابات الشعبوية التي قادها الذباب الإلكتروني للجماعات المتطرفة بتحويل روسيا عدوة وكأن روسيا هي من تسيطر على مقدرات الشعب السوري في شمال شرق البلاد، أو أنها – أي روسيا- هي من احتلت العراق أو أنها هي من زرعت إسرائيل كمخفر أمامي وخنجر في خاصرة المنطقة العربية لاستنزافها. أو كأن روسيا هي أطلقت اليوم يد اسرائيل لتصول وتجول في شمال شرق سوريا وتستحوذ على ثلث النفط هناك، وتقصف الأراضي السورية بشكل شبه يومي كما حدث صباح اليوم بقصف مطار حلب وإخراجه من الخدمة.

وعن علاقة روسيا بالمعارضة السورية قال الشاعر ” استقبلت روسيا جميع أطياف المعارضة السورية بكل مكوناتها الرسمية وغير الرسمية، مع دراية روسيا بإن إرادة هؤلاء مشلولة لجهة من يسيطر فعلياً عليهم وعلى الأرض سواء في الشمال الشرقي حيث النفوذ الأمريكي، أو الشمال حيث سيطرة ما يعرف بـ ” هيئة تحرير الشام” التي مازال زعيمها المدعوم غربياً يطمح للعب دور في مستقبل سورية بالاستحواذ على خلافة – ولو في إدلب على أقل تقدير- ما يمنع قيام أي حل سياسي أو دولة سورية موحدة. الحالتان مع اختلافهما في النهج إلا أن المحرك واحد والغاية واحدة”.

وقال الشاعر ” دعوني أعترف بأن ذنب روسيا الوحيد أنها لا تجيد اللعب من تحت الطاولة كهوية وعقيدة سياسية روسية متجذرة، كما لا تجيد دس السم في الدسم وأن جميع اوراقها على الطاولة غير توسعية تاريخياً”.

وختم الشاعر بالقول أن حديثه ” ليس دفاعاً عن روسيا ولكن دفاعاً عن الحقيقة والموضوعية”. وتابع ” أما آن لكم أيها البعض الواهمون يا ضحايا الشعبوية، البعيدون عن المنهج والتفكير والرؤية السياسية الحقة، أما آن لكم أن تتوقفوا عن رمي خطاياكم على غيركم..أيها البعض ارحموا وطنكم واستبصروا”.

 

الآراء الواردة، لاتعبر بالضرورة عن راي الموقع وإنما عن رأي كاتبها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.