أخبار ||

“موقع الإمارات في المنظور الجيوسياسي الجديد للعالم”

الكاتب: إبراهيم المقدادي/ باحث وكاتب أردني.

أصبح الشغل الشاغل للمحللين والاستراتيجيين في مختلف أنحاء العالم، هو أن عملية التغيرات في بنية النظام العالمي والنظام الجديد تتشكل؛ النظام الذي يبدو أنه مرتبط بالدور المتزايد للقوى الشرق أوسطية وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة.

خلقت التطورات الإقليمية والعالمية الأخيرة في أوكرانيا وفلسطين والصراع حول تايوان، وتوسع مجموعة البريكس وانضمام أعضاء جدد إليها، لتشمل إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وإثيوبيا أساسا للعديد من التكهنات حول النظام العالمي الجديد مع دور الأطراف الإقليمية الفاعلة، لأن العديد من المحللين يعتقدون أن ما ينكشف بعد التطورات الحالية هو وتراجع القوة المهيمنة الأميركية، وظهور قوى إقليمية جديدة.

ما يحدث حاليا هو باكورة لعملية إعادة تشكيل النظام العالمي، وظهور النظام المتعدد الأقطاب، وبروز الدور المؤثر بشكل متزايد للقوى الوسطى، والتي على الرغم من قدراتها المحدودة مقارنة بالقوى العظمى، تستخدم القوى المتوسطة بشكل استراتيجي إعادة توجيه وتوزيع  القوة العالمية المتغير لتأمين الفرص لنفسها.

ومما لا شك فيه أن القوى العظمى تعتمد بشكل أساسي على القوى المتوسطة من أجل “النفوذ العالمي”، وأن القوى المتوسطة تشارك في التوزيع الاستراتيجي للقوة والهيمنة وتتأرجح بين “التعاون” و”المعارضة” لتحقيق مصالحها الوطنية.

كما أن أن المنافسة المتصاعدة بين القوى العظمى توفر بيئة مواتية للقوى الوسطى لإظهار نفوذها؛ فمن ناحية، تضع هذه القضية الأساس لفحص نقدي للديناميكيات المتطورة في العلاقات الدولية، ومن ناحية أخرى، تذكرنا بضرورة اعتماد نهج دقيق في مواجهة العالم المتعدد الأقطاب الآخذ في الاتساع.

وفي الرجوع إلى دروس الماضي، فإنه بعد الحرب العالمية الثانية، انقسم العالم إلى “قطبين رئيسيين” واضطرت القوى المتوسطة إلى التحالف مع الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أصبحت القوى المتوسطة أمام خياري؛ إما الانضمام إلى الولايات المتحدة أو اتباع مسار مستقل.

لكن اختيار المسار المستقل ضد القوة العظمى الوحيدة في العالم جلب مخاطر التخلي المنافع الاقتصادية والتسليح العسكري والضمانات الأمنية الناجمة عن الانحياز، ونتيجة لذلك، انضمت العديد من القوى المتوسطة إلى النظام الذي تقوده الولايات المتحدة.

والآن فإن النظام الأحادي القطب يتراجع تدريجيا مع تراجع النفوذ العالمي النسبي لأمريكا، بسبب عوامل عديدة أهمها: صعود روسيا كقوة عسكرية ولها عدد من الحلفاء، واجتياحها لأوكرانيا حليفة الغرب، وزيادة القوة الاقتصادية للصين وقدرتها على جذب الحلفاء، والأزمة المالية العالمية عام 2008، والإنفاق الكبير لأمريكا خلال حروبها الأخيرة، وغيرها، الأمر الذي مكُن للقوى المتوسطة من لعب أدوار مهمة في هذا التحول الذي وأدى إلى تشكيل مجموعة من “القوى الوسطى” الأكثر ميلاً إلى اتخاذ خطوات واجراءات أكثر استقلالية.

ففي عالم متعدد الأقطاب، تكتسب القوى المتوسطة المزيد من الخيارات والاستقلال، ونفوذا في اختيار شركائها، ونتيجة لذلك، المزيد من المنافع،

وبناء على ما سبق، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة، بقوتها  الجيوسياسية والجيواقتصادية،  وتأثيرها الإقليمي والعالمي الصاعد، وعلاقاتها الخارجية القوية مع القوى العظمى والمجتمع الدولي، وما تمتلكه من دبلوماسية قوية ومقرا اقتصاديا عالميا، ومحطة اهتمام عالمي تكنولوجيًا وماليا، وعنصر الأمن والأمان، ونظرة العالم لها كمان للثقة والازدهار…. مرشحة لتكون من أقوى القوى المتوسطة التي ستبرز كعامل مؤثر في الاتجاه العالمي نحو تعدد الأقطاب، الأمر الذي سيتيح المجال أمامها لتصبح قطبا إقليميًا ودوليا في العالم الجديد متعدد الأقطاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.