أخبار ||

في كتابه الجديد ” من ضدنا” .. الكاتب الاستراتيجي رامي الشاعر يحذر من تفاقم استفزاز روسيا وتداعياته على أوروبا والعالم.

في كتابه الصادر مؤخراً ” من ضدنا” حذر الكاتب والدبلوماسي رامي الشاعر من تفاقم استفزاز روسيا  وتداعياته على أوروبا و العالم. ولعل عنوان الكتاب بصيغة الجمع- من ضدنا-  يختصر تغريبة المؤلف الشخصية كفلسطيني وسوري و روسي، عايش المعاناة ورصدها كسياسي ودبلوماسي و مؤرخ.

وأفرد المؤلف في كتابه مساحة كبيرة لموقع روسيا في قلب الأرض الأوراسي، منطلقاً من حقيقة جيوستراتيجة لدولة – كروسيا- لم تذهب يوماً غازية، وهذا يكفيها للعب دور محوري قادر على إعادة التوازن و ضبط الفوضى في النظام الدولي.

وقال مؤلف ” من ضدنا”، دفعتني الأحداث الأخيرة في العالم، خلال العقد الماضي، إلى كتابة ما يربو على 350 مقالا تطرقت فيها إلى كافة الأحداث الجارية المحيطة بروسيا أو بالشرق الأوسط.

وأضاف، من خلال أسئلة القراء الأعزاء وتعليقاتهم وكذلك المناقشات الطويلة والجادة والمثمرة مع زملائي من الدبلوماسيين والعسكريين والسياسيين من روسيا وخارجها، وجدتني أمام صورة متعددة الجوانب لما يتطور حولنا من أحداث، وضعت العالم على حافة الخطر، حتى أصبحنا ننام ونستيقظ على تهديد نشوب حرب عالمية ثالثة تدمر الأخضر واليابس على كوكبنا.

وتابع، دفعني ذلك كله إلى كتابة “من ضدنا”، الخامس، في محاولة متواضعة للتأثير ولو بأبسط الأشكال في تفادي تفاقم الأوضاع الدولية، راجيا من الجميع أن يساهموا معي، سواء كتابا أو صحفيين أو دبلوماسيين أو سياسيين أو مواطنين متابعين، كلٍ حسب إمكانياته، لتفادي حدوث صدام عالمي جديد ندفع ثمنه جميعاً، ويدمر كوكب الأرض ومعه البشرية جمعاء.

وقال الشاعر، إن التطورات الأخيرة التي جرت خلال اجتماع مجموعة الدول العشرين G20 تحمل بعض المؤشرات الإيجابية التي تدل على أن هناك غالبية من القادة حول العالم بدأوا يستوعبون ضرورة تخفيض التصعيد والأخذ بعين الاعتبار أن روسيا دولة عظمى، ولا يجوز التمادي في العدوان ضدها، ويتعين أخذ سياساتها الخارجية وأمنها القومي وخطوطها الحمراء في الحسبان والاعتبار.

وحول محور كتابه قال الشاعر، هنا يكمن جوهر الفكرة وراء كتابي الجديد، الذي وضعت له عنواناً “من ضدنا”، والذي أتمنى أن يترجم إلى عدد من اللغات حتى يتمكن زعماء الاتحاد الأوروبي قراءته، لعلهم يدركون تلك الحقيقة ويستوعبونها ويهضمونها حتى يخرجوا بقناعة أن روسيا لا يمكن أن تهزم، وأن أبسط العسكريين في قوات حلف “الناتو” يعون ذلك، إلا أن صوتهم لا يصل، فيما يبدو، إلى قادتهم من السياسيين، حتى أن شخصية على مستوى المفوض السامي لشؤون السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لا زال يصرح ويهذي بـ “عدم اعتراف الاتحاد الأوروبي بالانتخابات الأخيرة التي جرت على الأراضي الروسية المنضمة حديثاً إلى البلاد”، فيطرح تساؤلاً على المرء: ومن يسعى لاعتراف الاتحاد الأوروبي، ومن هو هذا “الاتحاد الأوروبي” أو هذا الـ “بوريل” كي يملي على روسيا الدولة العظمى ذات السيادة والقدرة والقوة النووية وعلى الشعب الروسي إرادته.

وتابع، تؤكد بعض التقديرات على فقدان الشعب الأوكراني الشقيق ما يزيد عن 300 ألف عسكري خلال الصراع الدموي المستمر على مدار عام ونصف العام، والسيد بوريل يجلس في مقعده الوثير ليقرر مصير عشرات ومئات الآلاف من الأوكرانيين الذين يحاربون من أجل مصالح “الناتو” والاتحاد الأوروبي ومن ورائهما الولايات المتحدة الأمريكية.

واستطرد الشاعر بالقول، لقد قال سكان هذه المناطق كلمتهم، وصوّت المواطنون من أصول روسية لصالح العودة إلى حضن الوطن الأم روسيا، بعد أن لفظهم النظام النازي في كييف، وفرض عليهم اللغة الأوكرانية والثقافة الأوكرانية فرضاً، ومنعهم من ممارسة أبسط حقوقهم في ممارسة اللغة والاحتفاظ بثقافتهم وحتى الذهاب إلى كنيستهم، بينما نرى اليوم الكنيسة الأوكرانية المنشقة، والملاحقات والاضطهاد الذي يطال رجال الدين من الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، ويطال تلك الكنيسة على مستوى السلطة التشريعية لا على مستوى السلطة التنفيذية فحسب.

وحول مايجري في أكرانيا حمَل الشاعر مسؤولية ذلك للنظام في اكرانيا بالقول، لقد استمر هذا النظام الإرهابي في قصف وقتل شعبه زهاء 8 سنوات خلال الأعوام 2014-2022، حتى هبت روسيا لحماية المواطنين الأوكرانيين من أصول روسية، واليوم يطلّ علينا السيد بوريل ليقول لنا إنه “لا يعترف” بصوت هؤلاء، وأعتقد أن لسان الحال يقول إذن إنه يريد عودتهم حتى يمارس القوميون المتطرفون الأوكرانيون بزعامة زيلينسكي هوايتهم في قتلهم مجدداً.

وقال، لقد اعترف زيلينسكي مؤخراً بأن هجومه الأوكراني المضاد ليس “فيلماً سينمائياً ذي نهاية سعيدة”، واعترف بأن أي كمية من المساعدات العسكرية لا يمكن أن تحقق النتيجة المرجوة، بعد أن راهن في البداية على أن “الناتو” سيشارك عسكرياً إلى جانبه. لكن الجميع على قناعة الآن أن هذا لا يمكن أن يحدث، وأن قيادة “الناتو” تدرك تماماً أنها في المحصلة ستهزم إذا ما شاركت في الحرب إلى جانب أوكرانيا، وسيرافق هزيمتها دماراً أوسع، وهو ما أشرحه بشكل مفصل في كتابي الجديد.

وحول كتابه قال الشاعر، يتضمن الكتاب 504 صفحة، وضعت فيها كل ما تراكم من خبرات ومعارف في السياسة والدبلوماسية والعلوم العسكرية والحياة بصفة عامة.

ودافع الشاعر كفلسطيني عن إنتمائه وجنسيته الروسية قائلاً،  ليس من الضروري أن تولد روسياً حتى تحب هذا البلد. وليس من الضروري أن تولد روسياً حتى تحترم وتفهم وتنفذ إلى أعماق هذا الشعب العظيم الذي يجبرك على احترام وحب ثقافته ولغته وحياته ويدفعك دفعاً إلى احترام هذه الدولة العريقة وتقييم مكانتها الدولية تقييماً موضوعياً لا يعتمد على الجنسية، ومن خلال حياتي هنا في روسيا لسنوات طويلة، وعملي عسكرياً ودبلوماسياً وإعلامياً ومتخصصاً في الشأن السياسي، وعلى خلفية أصولي الفلسطينية، أردت مشاركة قرائي باللغة الروسية (على أمل أن تصدر ترجمة عربية في أقرب فرصة) تجربتي ومعرفتي في مجال التاريخ والسياسة والدبلوماسية.

وأضاف، إن هذا الكتاب موجه إلى مجموعة واسعة من القراء، لا سيما الشباب ممن سيقررون فيما بعد مصير أوطانهم والذين يتعين عليهم أن يدركوا مسؤوليتهم ليس فقط تجاه أحبائهم، ولكن أيضاً تجاه بلدهم.

وقال الشاعر، إن كوكبنا يقترب من 8 مليارات نسمة، وهو كوكب غني بالموارد الطبيعية، ومناسب بشكل مثالي للحياة البشرية، وتفترض ديانات العالم جميعاً أن قوة مطلقة، تسمى بمسميات تختلف باختلاف الجغرافيا والتاريخ والعرق والثقافة، تسببت في خلق الأرض لسكنى الإنسان. يختلف مع هذا الطرح أصحاب نظريات فلسفية أخرى، لا مقام هنا لمناقشتها. ربما لن نعلم أبداً ما إذا كان أي من تلك النظريات أو العقائد صحيحاً، إلا أننا نعلم على وجه القطع، وحتى اللحظة، أنه لا يوجد كوكب في المجرات الأقرب إلينا يتمتع بمثل هذه الظروف المثالية لحياة البشر والحيوانات والنبات.

وأضاف، في الجزء الأول من كتابي الجديد، والذي يحمل عنوان “المواجهة”، أتطرق إلى أهمية اعتنائنا بالبيئة، والحفاظ على الموارد الطبيعية: من الأكسجين الموجود في الغلاف الجوي إلى المعادن، وأناقش قضية محاولات الدول المختلفة للتوصل إلى اتفاق فيما بينها من أجل استخدام الموارد الطبيعية على نحو اقتصادي أكثر بكثير مما هو عليه اليوم. وتلك أفكار معقولة ومنطقية، فكلما كانت حياة الناس على الكوكب أكثر هدوءً واستقراراً وأماناً، كلما كان من الممكن بذل المزيد من الجهود في هذا المسار. إلا أن زعماء ونخب الدول الغربية، خاصة تلك التي تطلق على نفسها اسم “الديمقراطيات” و”العالم الحر” وغيرها من المصطلحات الرنانة، ومجموعة واحدة (لا تزال صغيرة نسبياً) من السياسيين وأباطرة المال، أصبحت ترى أن الأرض تمتلئ بعدد كبير جداً من السكان، وبات من الضروري، وفقاً لاعتقادهم، اتخاذ تدابير جذرية لتدمير معظم البشرية، حتى لا يبقى على الأرض أكثر من مليار نسمة يسمونهم “المليار الذهبي”، الذين ستتاح لهم حينها موارد الأرض جميعاً، وتصبح كل الفوائد متاحة، بعد التخلص من المليارات السبع الأخرى. ويندرج تحت هذه التدابير الجذرية ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من عمليات عسكرية وتدخلات حول العالم، وهو ما أتطرق إليه في الجزء الأول من الكتاب.

وعن الجزء الثاني من الكتاب قال الشاعر، أحاول النظر إلى دروس التاريخ، حيث يحمل الجزء عنوان “الناتو – أداة التوسع الأمريكية”، وأطرح في مقدمته الفكرة التالية: “ربما يكون القارئ قد لاحظ بالفعل أنه في الغالبية العظمى من الأعمال العدوانية التي ارتكبتها الولايات المتحدة على مدار 100 عام، كان حلفاء الولايات المتحدة في الناتو حاضرين بالتأكيد. وكما أن كل قطيع من الذئاب لديه قائد يقود بقية الحيوانات المفترسة، فإن كل كتلة عدوانية لديها بالضرورة قائد. ويكفي أن نتذكر الحرب العالمية الثانية حيث قادت ألمانيا النازية عشرات الدول الأوروبية في حملة إلى الشرق. وبقبول دور القائد الخاضع لقطيع الذئاب، كانت هزيمة ألمانيا النازية تعني هزيمة جميع حلفائها، وخسائر بشرية ومادية هائلة ليس فقط لألمانيا، ولكن لحلفائها أيضاً”.

وتابع، بتعبير أدق، فإن هزيمة الخدم، ممن كانوا يأملون في إثراء أنفسهم على حساب موارد الدولة الاشتراكية الضخمة، الاتحاد السوفيتي، كان على الجيش الأحمر أن يقاتل ضد الفاشيين الألمان، وكذلك ضد جيوش أو الوحدات العسكرية للبلدان التي غزاها هتلر ووضعها رهن إرادته، واستسلمت له، أو شنت حملاتها العسكرية بمحض إرادتها لصالحه. نجح الاتحاد السوفيتي في هزيمة فرنسا وبلجيكا وبولندا وغيرها من الدول الأوروبية بسهولة نسبية، بعد أن كان الألمان قد استولوا على أسلحة ومعدات عسكرية لما مجموعه 148 فرقة من الجيوش الأوروبية. أتطرق في هذا الجزء إلى ولادة “الناتو” وأحداث 1953 والثورة المجرية المضادة عام 1956.

وعن الجزء الثالث الذي حمل عنوان “من يريد تدمير روسيا”، قال الشاعر، إنه يتحدث عن رفض الغرب لروسيا الجديدة، وخلق أوروبا معادية للروس، ويكشف معلومات عن جنة الفساد في أوروبا وعن النازيين الجدد وحركتهم التي بدأت في الظهور تسعينيات القرن الماضي مع تفكك الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو. أما الجزء الرابع فيتناول العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، ويحمل اسمها “عملية عسكرية خاصة”، وأكتب فيه عن الأسباب والدوافع والخلفيات التي اضطرت روسيا للقيام بعمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وعن أصول القومية الأوكرانية، وكيف تحولت إلى نازية، وكيف حولت الثورات الملونة والانقلاب في أوكرانيا عام 2014 مجريات الأحداث من المواجهة الباردة إلى مواجهة ساخنة بين الأشقاء، وكيف تحولت أوكرانيا إلى قفاز مدمر في يد الغرب، وأتحدث عن دور سفراء الولايات المتحدة في أوكرانيا وصيغة النورماندي، وكيفية صناعة “الروسوفوبيا” معاداة الروس في أوكرانيا، وكذلك عن التقدم الذي أحرزته وتحرزه روسيا في عمليتها العسكرية، وأشرح لماذا ستنتصر روسيا، وما مصير أوكرانيا بعد ذلك.

وتايع الشاعر حديثه عن الجزء الخامس بعنوان “الإرهاب الدولي” قائلاً، أتطرق هنا إلى الإرهاب الدولي باعتباره علامة مسجلة وامتيازاً للولايات المتحدة الأمريكية، وكيفية ومن يقف وراء صناعة الأعمال الإرهابية.

وأضاف، إن روسيا تقف اليوم مجدداً أمام الغرب بأسره تقريباً، فيما يحمل السياسيون الغربيون على أكتافهم مرة أخرى نفس الأهداف التي حملها قبلهم هتلر ونابليون وغيرهم من المغامرين الغربيين، والتي يلخصونها اليوم برغبتهم في “هزيمة روسيا استراتيجياً”. يقولونها علانيةً وصراحةً جهاراً نهاراً، بغرض السيطرة على روسيا وعلى مواردها وشعوبها. يرومون تدمير سيادتها ووحدة أراضيها واستقلال إرادتها السياسية، ومحو هويتها الإنسانية والثقافية.

وتابع، من هذا المنطلق، أصبحت العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، والتي تعكس صراعاً طويلاً مريراً بين روسيا والغرب، مركز اهتمام العالم، وهو الصراع الذي ظل خفياً لعقود، ووصل إلى منتهاه الساخن مؤخراً. وتعود روسيا مجدداً، على هذه الخلفية، شأنها في ذلك شأن الاتحاد السوفيتي وروسيا القيصرية قبله، لتغير من مصير هذا العالم، وتحوّل مجرى التاريخ البشري، كما فعلت ذلك من قبل.

وتساءل الشاعر: لماذا؟. مجيباً: لأن روسيا لا تدافع عن هويتها الإنسانية والثقافية أو عن وحدة أراضيها واستقلال إرادتها السياسية في عالم شرس يهيمن عليه الغرب فحسب، وإنما تدافع ضمنياً كذلك عن حرية الشعوب والدول ذات السيادة في اختيار طريقها المنشود دون إملاءات، ودون ضغوط، ودون شروط من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرهما من المؤسسات الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية وتابعوها من الدول. فروسيا اليوم، ومعها الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، والدول المنضمة حديثاً إلى “بريكس”، على سبيل المثال لا الحصر، وفي إطار عدد من المنظمات الأخرى إلى جانب “بريكس”، والتي تتوسع بنشاط أمام أعيننا، مثل “شنغهاي” و”الاتحاد الاقتصادي الأوراسي”، تؤكد على رغبة ليس فقط “الجنوب العالمي”، وإنما أيضاً تجمعات وتكتلات حتى داخل دول الغرب نفسها، في الانعتاق التاريخي للعالم من ضيق الهيمنة والأحادية القطبية إلى اتساع التعددية القطبية، حيث تسود العدالة والمساواة، وحيث تعود الدول مرة أخرى إلى ميثاق الأمم المتحدة، الذي يساوي بين سيادة الدول.

وختم مؤلف الكتاب بالقول مدافعاً عن روسيا، إنّ روسيا، الدولة العظمى، ذات الموارد والقدرة والقوة النووية، وشعبها العظيم صاحب الحضارة، والثقافة والفنون المؤثرة بفعالية عبر العصور في التاريخ البشري، لا يمكنها أن تخسر هذا الصراع، لأنها تقف إلى جانب الحق والعدالة وتقرير المصير وتحرير الشعوب من استغلال الاستعمار الجديد، وأيديولوجية النازية الجديدة، التي عادت لتطل علينا من جديد بوجها الخبيث في وسط أوروبا.

 

  • كتاب ” مَن ضدنا”:  دار غدنا- سبتمبر 2023.
  • المؤلف: للكاتب والدبلوماسي رامي الشاعر.
  • اللغة: الروسية.
  • عدد الصفحات:  ٥٠٤ .

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.