أخبار ||

سيناريوهات الحرب الإيرانية الإسرائيلية ومدى احتمالية وقوعها

خاص – مركز الدراسات والبحوث في التيار العربي المستقل.

الكاتب: إبراهيم المقدادي/ باحث وكاتب أردني.

ملخص الدراسة:

أربعة سيناريوهات تنتظر الصراع الإيراني الإسرائيلي:

  • حرب إسرائيلية مباشرة وأحادية على إيراني، (التقييم: ضعيف جدا)
  • حرب إسرائيلية ضمن تحالف دولي وإقليمي تقوده الولايات المتحدة ضد إيران، (التقييم: ضعيف)
  • حرب محدودة ومسيطر عليها ضد إيران (التقييم: وقوعه أقوى من 1و2)
  • الاستمرار في الاستراتيجية الحالية “الاستهداف والاغتيالات وسلوك ضربة مقابل ضربة”، (التقييم: الأقوى والأرجح)

 

نتيجة الدراسة:

 

رغم كل الضجيج الإعلامي وتصريحات نتنياهو حول الاستعداد لضرب إيران، وما يقابله من تهديدات إيرانية متصاعدة ضد إسرائيل، إلا أن السيناريو الأكثر ترجيحا وواقعية هو استمرار استراتيجية الصراع الحالية وهي: نقطة مقابل نقطة، وذلك بما يتوافق تماما مع لغة “التخادم والتوافق” القائمة بين إيران من جهة، وإسرائيل وأمريكا من جهة أخرى، ومن حيث العواقب، فقد شهد المجتمع الدولي صراعاً على هذا المستوى، مما يؤكد التوقع الواقعي باستمرار الوضع الحالي.

مقدمة الدراسة:

عادة ما تثار فرضية الصراع العسكري بين إيران وإسرائيل على خلفية احتدام المناوشات القائمة منذ عقود، إلا أن هذه القضية اتخذت هذه الأيام أبعادا أكثر جدية وحدة.

خلال الأيام والأسابيع الماضية اغتالت إسرائيل نحو عشرة جنرالات من الحرس الثوري خارج إيران، كان آخرهم نحو ٦ في هجوم نفذته إسرائيل يوم أمس في دمشق، فضلا عن قيامها بقصف قواعد ومقرات عسكرية تابعة للحرس الثوري في سوريا والعراق والقيام بأعمال ارهابية وتفجيرات واغتيالات داخل إيران طالت علماء نوويين.

الرد الإيراني كان كالعادة هو الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين، واطلاق صواريخ على مقرات قالت أنها مراكز تابعة للموساد الإسرائيلي في أربيل العراقية وجماعات وصفتها بالإرهابية في سوريا وباكستان.

وفي التقارير جاء أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة والدول الغربية بنيتها مهاجمة إيران إذا قامت بتخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد عن 60%، وطلبت إسرائيل من الولايات المتحدة الحصول على معدات للتزود بالوقود جوا، وتسريع تسليم 4 طائرات للتزود بالوقود من طراز KC-46 لأنها تحتاج إليها لهجوم محتمل على إيران.

كما تحدثت تقارير أخرى عن استعداد إسرائيلي لمهاجمة إيران، وأن اتخاذ إجراء محتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية قد اتخذ بعد اجتماعات سرية بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وكبار المسؤولين في وزارة الدفاع وأجهزة المخابرات الإسرائيلية.

وكان نشر هذا التقرير كافيا لظهور فرضية احتمال وقوع هجوم عسكري إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية في الأوساط الإعلامية ومراكز الدراسات الاستراتيجية أكثر من أي وقت مضى، وخاصة بعد عملية طوفان الأقصى واتهام إيران بتدبيرها وما يفعله الحوثييون الوكيل الإيراني في اليمن من استهداف للسفن الإسرائيلية وتشكيل تهديد مباشر لحركة التجارة في البحر الأحمر.

وقد أعادت العديد من وسائل الإعلام نشر نهج نتنياهو المتمثل في اللجوء إلى التهديد العسكري باعتباره أفضل وسيلة لمنع إيران من التسلح النووي، كما حاول البعض طرح قضية وقوع الحرب بشكل أكثر جدية وواقعية مما كانت عليه في الماضي.

السيناريوهات المرجحة:

في مثل هذا السياق فإن السؤال الذي يمكن طرحه هو ما مدى جدية التهديد العسكري الذي يطلقه نتنياهو بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية أو بشن حرب شاملة على إيران؟ وإذا حدث هجوم فكيف سيكون وما هو الرد الإيراني وما هي العواقب؟

في الإجابة على هذا السؤال، أو بعبارة أخرى، لفك رموز قضية الصراع العسكري بين إسرائيل وإيران، يمكن طرح أربعة سيناريوهات رئيسية وهي:

الأول: الصراع المباشر والأحادي مع إيران.

السيناريو الأول المحتمل فيما يتعلق بطبيعة ومستوى الصراع العسكري المحتمل بين إيران وإسرائيل هو الدخول في صراع مباشر وفي حالة أحادية، وبهذه الطريقة، ونتيجة لتزايد مستوى المخاوف الإسرائيلية بشأن البرنامج النووي الإيراني، وضلوع طهران في عمليات ضد إسرائيل، فإن ساسة تل أبيب، بغض النظر عن إرادة حلفائهم الغربيين – وخاصة الولايات المتحدة – يبدأون عملا عسكريا أحادي الجانب ضد إيران.

وفي تأكيد أن السيناريو الحالي مطروح، يمكن الرجوع إلى تصريحات أفيف كوخافي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الذي تحدث عن جهوزية ثلاثة سيناريوهات لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية في عام 2022، يمكن تقييمها جميعها في شكل عمل إسرائيلي أحادي الجانب.

أبعاد هذا السيناريو يمكن أن تكون محدودة أو يمكن واسعة النطاق، حيث يمكن أن يقتصر الأمر على مهاجمة المنشآت العسكرية الإيرانية أو يمكن أن يأخذ بعدا أوسع ويصبح حربا شاملة.

يواجه هذا السيناريو رفضا داخل وخارج إسرائيل، ولا يحظى باجتماع او تأييد كبيرين، لإن القدرة الوحيدة المتاحة والقوة الدافعة لتحقيق هذا السيناريو هي مجموعة المتطرفين الداخليين في إسرائيل، الذين يقدسون الهجوم على إيران ويدافعون عنه كمهمة في أي لحظة وفي أي مرحلة، وحتى أكثر المعارضين تطرفا لإيران في أمريكا وبعض الدول العربية لا يؤيدون مثل هذا السيناريو.

وخلافا لذلك، فإن هذا السيناريو يواجه مشاكل أو قيود خطيرة جداً، أهمها: ١- رد إيران غير المتوقع على أي عمل عسكري أحادي من جانب إسرائيل.

٢- انشغال إسرائيل بالحرب في غزة وجنوب لبنان.

٣- عدم وجود قبول ودعم أمريكي حتى الآن لهذا السيناريو.

٤- وغياب الدعم والشرعية الدوليية، ومعارضة الطيف المعتدل واليساري في المجتمع السياسي الإسرائيلي، والأبعاد الأوسع للحرب بما يتجاوز الصراع الثنائي”.

 

لذا يمكن وضع السيناريو المذكور ضمن السيناريوهات غير الواقعية والأكثر انخفاضا، لأن المسؤولين في تل أبيب يدركون بوضوح أن عواقب الحرب المباشرة والأحادية الجانب ضد إيران يمكن أن تكون ثقيلة للغاية ولا يمكن التنبؤ بها.

وباستثناء طيف أقلية صغيرة للغاية، فإن الأغلبية الساحقة من السياسيين الحاكمين في تل أبيب يدركون حقيقة أن الصراع الأحادي الجانب مع إيران يمكن أن يكون خطأ استراتيجيا كبيرا.

يمكن تقييم مثل هذا السيناريو من حيث إمكانية التنفيذ على مستوى محدود بأنه منخفضا للغاية من حيث استصوابه بالنسبة للإسرائيليين.

ثانيا: وقوع حرب كبرى تتمثل في مشاركة إسرائيل في تحالف إقليمي تقوده الولايات المتحدة.

هناك سيناريو محتمل آخر فيما يتعلق بإمكانية نشوب صراع عسكري بين إسرائيل وإيران في المستقبل، وهو يتعلق بحدوث هجوم على شكل تحالف إقليمي ودولي، أساس السيناريو الحالي هو أن إسرائيل سوف تقدم خطة الهجوم العسكري على إيران من خلال الانضمام إلى تحالف عالمي، تحالف كبير مثل حرب الخليج الأولى عام 1991 ضد العراق، تشارك فيه الولايات المتحدة، والقوى الأوروبية، وكندا، وربما ستحضر فيه جهات فاعلة مثل أستراليا واليابان وحتى كوريا الجنوبية.

في هذا السيناريو ستكون الحرب على إيران شاملة، ويمكن اعتبارها السيناريو الأمثل بالنسبة لصناع القرار في إسرائيل.

إن هذا السيناريو، على الأقل في الوضع الحالي، ووفقا للمعادلات التي تحكم النظام الدولي، ليس له سوى القليل من الدوافع، ومع ذلك، باعتباره سيناريو خطيرا من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، فمن الممكن أن يكون على جدول الأعمال.

لقد تمت مناقشة إنشاء تحالف شامل ضد إيران سابقا وخاصة خلال رئاسة دونالد ترامب، وفي الأشهر الأخيرة نوقش أيضا بجدية أكثر من أي وقت مضى، وخلافاً للدوافع المحدودة لهذا السيناريو، فإن سيناريو الحرب الكبرى على شكل مشاركة إسرائيل في تحالف إقليمي يواجه العديد من القيود والعقبات، أهمها: عدم وجود إرادة شاملة لتشكيل تحالف عسكري ضد إيران، وعواقب غير مسبوقة للعمل العسكري على ميزان القوى على المستوى الإقليمي، وخلق فراغ استراتيجي في السلطة في المنطقة، واحتمال أن يتحول أي عمل عسكري إلى حرب شاملة ومدمرة ضد المصالح الكبرى للجهات الفاعلة المعنية.

مثل هذا السيناريو ممكن على الورق، ولكن في الميدان يبدو مثاليا إلى حد كبير وغير قابل للتحقيق.

السيناريو أعلاه سيكون السيناريو الأسوأ بالنسبة لإيران والسيناريو الأفضل بالنسبة لإسرائيل، وفي الميدان، يبدو من المستحيل تحقيق ذلك على المدى القصير.

إن عواقب السيناريو المذكور، مثل الاحتمال الأول، يمكن أن تكون خطيرة جداً ومتعددة الأبعاد.

 

 ثالثا: الدخول في صراع محدود ومسيطر عليه.

 

في هذا السيناريو، وخلافا للافتراضات الأولى، فإن الصراع مع أهداف محددة ومضبوطة هو على جدول الأعمال، وفي هذا السيناريو يمكن أن تكون إسرائيل وحدها أو تحالف دولي بحضور ودعم أمريكي وأوروبي.

في السيناريو الحالي، يكون الهجوم المحدود على عدد قليل من القواعد النووية والعسكرية، ومن حيث الوقت، لا تؤخذ في الاعتبار الحرب المستمرة والطويلة الأمد على الإطلاق، وبحسب الدوافع، فإن مثل هذا السيناريو يحظى بجماهيرية أكبر من السيناريوهات السابقة؛ لأنه على السطح يمكن تحقيق الهدف النهائي، أي تليين إيران واخضاعها فيما يتعلق بالملف النووي وسلوكها وتدخلاتها في المنطقة، وحتى في حال وجود أي خطة من البنتاغون لمهاجمة إيران بسبب الملف النووي، فإن هذا السيناريو قد يكون هو الأكثر شعبية.

ورغم أن دوافع سيناريو الهجوم المحدود قوية نسبيا، إلا أنه مثل السيناريوهات السابقة، ستكون هناك عوائق كبيرة أمام تنفيذ مثل هذا السيناريو، أهمها: عدم حصر دائرة الحرب بسبب رد فعل إيران، ومن السذاجة الاعتقاد بأن إسرائيل ستنفذ بضع هجمات محدودة من جانب واحد أو في شكل تحالف، وأن الأمر سينتهي كما تريده إسرائيل، فمن المحتمل أن رد إيران على أي عمل عسكري لن يكون بالصمت أو السلبية كما هو الحال حاليا أمام الاغتيالات والقصف خارج إيران، فربما يكون رد فعل طهران انتحاريا ويوسع دائرة الأزمة ويفشل فرضية الحرب المحدودة.

لذا يمكن تقييم السيناريو الحالي على أنه واقعي وممكن إلى حد ما، إلا أن عواقب تنفيذ هذا السيناريو يمكن أن تكون خطيرة مثل السيناريوهات السابقة.

 

رابعا: الاستمرار في استراتيجية الاستهداف والاغتيالات وسلوك ضربة مقابل ضربة.

 

سيكون هذا السيناريو استمراراً للوضع الحالي في مجال الصراعات بين الجانبين، وأساس السيناريو أعلاه هو أن ما يتم تقديمه على أنه تهديد بشن هجوم عسكري على طهران من قبل القادة الإسرائيليين هو في الغالب حرب كلامية ولا يمكن تحقيقه على أرض الواقع.

 

ودفاعاً عن هذا السيناريو، يمكن الرجوع حتى إلى التصريحات الأخيرة ليائير لابيد، رئيس الوزراء الأسبق وأحد زعماء أحزاب المعارضة الإسرائيلية، الذي قال: “إذا لم يتوقف نتنياهو عن الكذب بشأن جاهزية إسرائيل في الحرب فيما يتعلق بإيران، سيتعين علي أن أشرح كل الثغرات والإهمال الذي كان مسؤولا عنه حتى نستبدله”.

 

وبحسب السيناريو الحالي فإن الصراعات بين إيران وإسرائيل ستبقى على مستوى التخريب والعمليات العرضية، ولا يعني ذلك أن السيناريو المذكور أعلاه له دوافع غير عادية لتحقيقه، ولكن يمكن تقييمه باعتباره الوضع الأكثر منطقية في مستقبل الصراعات بين إسرائيل وإيران.

 

إن إسرائيل والمجتمع الدولي يدركان عواقب أي عمل عسكري ضد إيران، وهم يعلمون جيداً أن إيران في وضعها الحالي ليست العراق عام 1991 أو أفغانستان عام 2001 أو حتى بغداد عام 2003، التي يمكن كسبها بسهولة في المجال العسكري، سواء على المستوى العسكري المباشر أو على مستوى الوكلاء.

 

الخاتمة:

 

إن قواعد القانون الدولي ليست ولن تكون ضمانة لأي هجوم عسكري مباشر على المنشآت الإيرانية حتى الآن، ومؤخراً، وصف رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية في طهران، أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية بأنه غير قانوني.

وبمجموع التفسيرات المذكورة أعلاه، يمكن القول إنه رغم كل الضجيج الإعلامي وتصريحات نتنياهو حول الاستعداد للحرب، وفي المقابل التهديدات الإيرانية ضد إسرائيل، إلا أن السيناريو الأكثر ترجيحا وواقعية هو استمرار استراتيجية التخريب نقطة مقابل نقطة, ومن حيث العواقب، فقد شهد المجتمع الدولي صراعاً على هذا المستوى، مما يؤكد التوقع الواقعي باستمرار الوضع الحالي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.