أخبار ||

ورقة بحثية حول مدى إمكانية إقامة دولة فلسطينية “الميّسرات والعوائق”

(إعداد إبراهيم المقدادي)

أعادت الحرب في غزة “خطة إنشاء دولتين” إلى الاهتمام العالمي من جديد، وخاصة القوى الكبرى، والغرض من تفعيل هذه الخطة هو تشكيل حكومة فلسطينية مستقلة إلى جانب الحكومة الإسرائيلية كحل وحيد لإنهاء الصراع على مبدأ قاعدة حل الدولتين.

وطالما ببقيت القضية الفلسطينية محور الاهتمام العربي والعالمي، كونها مركز الصراع العربي الإسرائيلي، ونقطة ارتكاز للأمن والاستقرار الإقليمي، وطرحت من أجل حل هذه القضية العديد من المبادرات أهمها حل الدولتين، والذي يعتبر الحل الوحيد لإنهاء هذا الصراع الذي سبب أضرار كبيرة للمنطقة.

ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول هذه الفترة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، كما تدعم القوى العالمية الكبرى الأخرى، بما في ذلك روسيا والصين وأغلبية أعضاء الاتحاد الأوروبي إنشاء دولة فلسطينية، بل وذهبت حكومة جو بايدن بعيدا في هذا المجال، حتى أن علاقتها مع حكومة اليمين في إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو قد ساءت قليلا، لأن الحكومة الإسرائيلية الحالية تنفي تماما ضرورة إقامة دولة فلسطينية.

 

مدى إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة

إن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو: هل خطة إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل عملية أم لا؟

وبالطبع سيتم الإجابة على السؤال أعلاه بعد المرور في ثلاثة ايضاحات تتمثل في جذور الخطة والعوامل المساعدة لتنفيذها والتحديات والعوائق التي تواجهها.

 

جذور الخطة

الخطوة الأولى لإقامة دولة فلسطينية مستقلة اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي 29 نوفمبر عام 1947، قامت بتقسيم الأرض المعروفة بفلسطين بإصدار القرار 181 إلى الدولة اليهودية والدولة العربية، الدولة اليهودية هي إسرائيل الحالية، لكن الدولة الفلسطينية لم تقم حتى الآن، لأن الفلسطينيين والعرب لم يقبلوا قرار الأمم المتحدة في ذلك الوقت.

ووفقاً لخطة التقسيم التي أصدرتها الأمم المتحدة، تم منح 56% من أراضي فلسطين لليهود و42% للعرب، وبطبيعة الحال، 2% شملت المنطقة الدولية.

أثار إعلان استقلال إسرائيل غضب العالم العربي، وواجهت خمس دول عربية (مصر وسوريا والعراق ولبنان والأردن) تل أبيب في منتصف مايو 1948، وبالطبع لم يقتصر الأمر على عدم الانتصار فحسب، بل تمكنت إسرائيل مدعومة من القوى الغربية في احتلال 22% من الأراضي التي شملت القدس الغربية، مما رفع إجمالي أراضيها إلى 78%.

وفي يونيو 1967، اشتبكت ثلاث دول عربية (مصر وسوريا والأردن) مع إسرائيل، فاحتلت إسرائيل قطاع غزة، والضفة الغربية، والقدس الشرقية، وجزيرة سيناء المصرية، ومرتفعات الجولان السورية، وقبل ذلك كان قطاع غزة تحت سيطرة مصر، وكانت القدس الشرقية تحت سيطرة الأردن.

تأسست أول حركة فلسطينية عام 1959 تحت اسم فتح بقيادة ياسر عرفات، وكان هدفها تحرير الأراضي الفلسطينية من إسرائيل، وفي وقت لاحق، في عام 1964، تم تشكيل حركة أوسع تسمى منظمة التحرير الفلسطينية، والتي كان عرفات لا يزال الشخصية القيادية فيها.

وبطبيعة الحال، تم إنشاء المنظمتين في المنفى بهدف مشترك، وفي 22 نوفمبر 1974، اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإصدار قرارها رقم 3237، بمنظمة التحرير الفلسطينية ومنحتها صفة مراقب في الأمم المتحدة، وتمكنت منظمة التحرير الفلسطينية بعد ذلك المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة بصفة مراقب.

في أكتوبر 1973، هاجمت مصر وسوريا إسرائيل، التي كانت ستتعرض لهزيمة لولا تحرك أمريكا لدعمها، وكان وقوع تلك الحرب سبباً في توقيع مصر وإسرائيل على معاهدة سلام بوساطة الولايات المتحدة في كامب ديفيد، والتي أطلق عليها اسم “كامب ديفيد الأولى”، وفي مقابل السلام مع إسرائيل، استعادت مصر شبه جزيرة سيناء التي خسرتها في حرب عام 1967.

أدى ذلك بالطبع إلى تغير موقف منظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة إسرائيل، وخلافاً للتوقعات، أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية، في نوفمبر 1988، من جانب واحد عن إنشاء دولة فلسطينية مستقلة في المنفى من خلال إصدار بيان رسمي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة بإصدار قرارها في 15 ديسمبر 1988، وأعلنت الأمم المتحدة حينها أنه بدلا من منظمة التحرير الفلسطينية، يجب استخدام اسم “فلسطين” في الرسائل والوثائق.

الخطوة التي اتخذها عرفات أعقبها قبول القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة، وهو القرار الذي عارضه العالم العربي في البداية، وكانت خطوة عرفات هذه تعني أيضا الاعتراف غير المباشر بإسرائيل، وأعلن عرفات موافقته على انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية مستقلة مركزها القدس.

وبعد أن اكتشفت الولايات المتحدة أن منظمة التحرير الفلسطينية تسعى إلى إقامة دولة فلسطينية، دخلت الميدان كوسيط وبدأت محادثات السلام؛ المحادثات التي أدت إلى توقيع اتفاقيات أوسلو في سبتمبر 1993، ووفقا لأحكام تلك الاتفاقية، اعترف الطرفان بوجود الآخر، وبطبيعة الحال، اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للفلسطينيين، وليس بالضرورة كدولة مستقلة.

إن السلطة الفلسطينية، التي حكمت قطاع غزة لفترة من الوقت وتحكم الآن جزءا من الضفة الغربية، هي نتاج لاتفاقيات أوسلو، ولكن تلك الاتفاقية لم تشمل بيت المقدس، وهو مركز الصراع بين الطرفين، وبموجب بنود ذلك الاتفاق، تحكم السلطة قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية لمدة خمس سنوات، وبعد ذلك تصبح الدولة الفلسطينية المستقلة.

وبطبيعة الحال، كان لا بد من حل قضايا مثل بناء المستوطنات واللاجئين الفلسطينيين من خلال المحادثات الثنائية بحلول ذلك الوقت، ووقع ياسر عرفات، ممثلا للفلسطينيين، وإسحق رابين، ممثلا للإسرائيليين اتفاقيات أوسلو بوساطة بيل كلينتون، الرئيس الديمقراطي للولايات المتحدة في البيت الأبيض.

بالطبع، قبل توقيع اتفاق أوسلو، حدث حدث مهم في فلسطين، وهو الانتفاضة الأولى والتي بدأت في 8 ديسمبر 1988 واستمرت حتى بداية مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991، ومن قلب تلك الانتفاضة ولدت حركة حماس (حركة المقاومة الإسلامية) وهي التي هاجمت إسرائيل في 7 أكتوبر من العام الماضي، ويعتقد بعض المحللين أن اتفاقات أوسلو هي نتاج الانتفاضة الأولى، وهذا يعني أن غضب الفلسطينيين واحتجاجاتهم العفوية دفع الولايات المتحدة إلى التدخل وتشجيع الطرفين على إحلال السلام.

وقد بُذلت جهود كثيرة لتنفيذ بنود اتفاقات أوسلو، لكن لم يتم التوصل إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال، وقع ياسر عرفات على اتفاقية “واي ريفر” مع بنيامين نتنياهو في شهر أكتوبر 1998 في الولايات المتحدة بعد عدة جولات من الاجتماعات، كما عقد اجتماع لنفس الغرض في منطقة شرم الشيخ المصرية في سبتمبر 1995، حيث كان عرفات حاضرا مع يهود باراك رئيس وزراء إسرائيل، كذلك، في النصف الثاني من يوليو 2000، استضافت واشنطن مرة أخرى الطرفين (عرفات ويهود باراك)، فيما سُمي بـ”كامب ديفيد 2″، وكان الهدف من تنظيم تلك اللقاءات تفعيل بنود اتفاق أوسلو، وهو ما لم يسفر عن أية نتائج.

وفي خضم ذلك، حدث حدث مهم آخر في فلسطين: وهو الانتفاضة الثانية، وكان وصول السياسي الإسرائيلي آرييل شارون مع مجموعة من جنود بلاده إلى المسجد الأقصى سببا في اندلاع الانتفاضة الثانية التي أعادت زخم التوترات إلى الواجهة مرة أخرى.

وفي عام 2005 انسحبت إسرائيل من غزة بموجب اتفاقيات أوسلو، لكنها أبقت القطاع تحت الحصار، وفي يناير 2006، فازت حماس بأغلبية مقاعد المجلس الوطني الفلسطيني من خلال مشاركتها في الانتخابات؛ وهو الأمر الذي لم يرضي أذواق الحكومات الغربية، فشكلت حماس وفتح حكومة وحدة وطنية في فبراير 2007، ثم انهارت الحكومة في مايو من نفس العام بعد نزاع مسلح، وفي النهاية حكمت حماس غزة، وحكمت السلطة أجزاء من الضفة الغربية.

وحاولت الحكومات العربية أيضا إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وكانت الخطوة الأولى هي قبول منظمة التحرير الفلسطينية كعضو في جامعة الدول العربية كممثل للفلسطينيين، كما ساعدوها أيضا في أن تصبح عضوًا في منظمة التعاون الإسلامي، أما الخطوة الثانية فقد اتخذتها السعودية حصرا عام 2002، والتي أطلق عليها “خطة السلام العربية”، وقد تمت الموافقة على هذه الخطة في اجتماع الجامعة العربية الذي عقد في العاصمة اللبنانية بيروت.

كان هدف خطة السلام العربية هو إحلال السلام مقابل إرجاع الأراضي؛ وهذا يعني أن إسرائيل يجب أن تعيش بسلام من خلال إعادة الأراضي الفلسطينية، وارتكزت تلك الخطة على ثلاثة محاور: عودة إسرائيل إلى حدود ما قبل عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية مركزها القدس الشرقية، ومعالجة قضية اللاجئين على ضوء قرارات الأمم المتحدة، وفي حال تنفيذ خطة الرياض، فإن الحكومات العربية ستعترف بإسرائيل كمجموعة وتقيم علاقات دبلوماسية معها، لكن الاقتراح السعودي ظل على مستوى الخطة ولم يدخل حيز التنفيذ.

وكانت الخطوة الأخطر التي اتخذها محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، في سبتمبر 2013، وطالب الأمين العام للأمم المتحدة بجعل عضوية فلسطين في هذه المنظمة دائمة ورسمية باعتبارها عضوية حكومة مستقلة، الطلب الذي تم الرد عليه بإصدار قرار رفعت الجمعية العامة من خلاله عضوية فلسطين في الأمم المتحدة من “هيئة مراقبة” إلى “دولة مراقبة غير عضو”.

النقاط المذكورة أعلاه هي مثال على الجهود التي بذلت من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعلى الرغم من أنها لم تكن ناجحة، إلا أنها كانت تتقدم.

 

الميسرات والعوامل المساعدة لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة

 

هناك ثلاثة عوامل يمكنها تسريع عملية إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، أو تحقيقها في أكثر الحالات تفاؤلا:

1- هجوم حماس على إسرائيل

يمكن اعتبار هجوم 7 أكتوبر عاملا تسهيليا؛ لأن العالم أدرك أنه من الصعب على إسرائيل أن تعيش في أمن كامل في ظل غياب الدولة الفلسطينية، وأن الحل الوحيد لتثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة هو تنفيذ حل الدولتين، وقد أكدت الحكومات الأوروبية، التي تعتبر مؤيدة لإسرائيل، مراراً وتكراراً منذ 7 أكتوبر أن أمن إسرائيل يعتمد على موافقتها على إقامة دولة فلسطينية، وهو أمر لا تقبله حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية بسهولة.

وربما تكون الانتفاضة الأولى مثالا واضحا في هذا الصدد، كما ذكرنا أعلاه، حيث يعتقد البعض أن الانتفاضة الأولى جعلت أمريكا تفهم ضرورة إنشاء دولة فلسطينية، وأجبرت منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل على التوقيع على اتفاقيات أوسلو.

وبالمثل، فإن الضرر الذي لحق بإسرائيل في حرب أكتوبر 1973 من مصر وسوريا جعل واشنطن تفكر في محاولة إحلال السلام بين تل أبيب والحكومات العربية، وأدت جهود الولايات المتحدة في ذلك الوقت إلى توقيع السلام بين القاهرة وتل أبيب.

ففي كل مرة تتعرض فيها إسرائيل لأزمة نتيجة اضطهادها الشعب الفلسطيني، تؤخذ الجهود الرامية إلى إحلال السلام الذي يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية على محمل الجد من قبل المجتمع الدولي والقوى العظمى بما فيها حليفة إسرائيل، والآن بعد أن ألحق هجوم السابع من أكتوبر أضرارا جسيمة بإسرائيل أكبر مما كانت عليه في الماضي، يحاول مؤيدوها تقليل مستوى ضعف حليفتهم، من خلال التأكيد على الخيار الذي يمكن أن يقلل من ضعف تل أبيب، وهو الموافقة على إقامة دولة فلسطينية.

 

2- جدية الولايات المتحدة

ربما لا يوجد عامل آخر أكثر فعالية من الجدية الأميركية فيما يتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية، وفي الوقت الحالي، تبدو واشنطن جادة بالفعل لإنهاء هذا الصراع الطويل، ورحلات وزير الخارجية أنتوني بلينكن الإقليمية تشير إلى هذه الجدية.

كما أن الضغوط التي يمارسها الرئيس الأميركي جو بايدن على حكومة نتنياهو هي علامة أخرى على هذه الجدية، وعلى سبيل المثال، ذكرت وسائل الإعلام مؤخرا أن بايدن طرح خيار عدم إرسال أسلحة إلى إسرائيل على الطاولة كطريقة للضغط على الحكومة الإسرائيلية.

فالسبب في عدم تشكيل الحكومة الفلسطينية حتى الآن يعود إلى عدم الاصرار الأميركي على ذلك، وقد حاولت جماعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة، والتي لها تأثير على جهاز السياسة الخارجية للبلاد، إبقاء خطة إقامة دولة فلسطينية بعيدة عن اهتمام مسؤولي البيت الأبيض، وإلا فإن الإدارة الأميركية، إذا أرادت ذلك، قد تتمكن من وضع حد لمشكلة فلسطين المزمنة في غمضة عين، فعلى سبيل المثال، بذلت إدارة بيل كلينتون بعض الجهود، وتم التوصل إلى اتفاق أوسلو؛ اتفاق أجبر إسرائيل على الانسحاب من قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية، ولولا الإرادة الأميركية، لما كان هذا التقدم ليحدث، ولو لم تتجه التطورات حينها في الاتجاه الآخر ولم يصل اليمين المتطرف إلى السلطة في إسرائيل، فلن يكون الأمر بعيدا عن التوقع بأن تؤدي اتفاقيات أوسلو إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو ما يتوقعه الجميع هذه الأيام.

وحاليا، ونتيجة تردي الأوضاع الأمنية في المنقطة، والقلق من اتساع رقعة الحرب الدائرة في غزة، تؤكد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والقوى الكبرى مثل الصين وروسيا على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ربما لم يتم في أي وقت من الأوقات تشكيل مثل هذه الوحدة في الرأي دفاعا عن إقامة دولة فلسطينية لإنهاء هذا الصراع، وحتى المشاعر الشعبية في العالم الغربي هذه الأيام تتجه نحو دعم الفلسطينيين.

إن المسيرات واسعة النطاق في العالم الغربي دعما للفلسطينيين، رغم أن روح التعاطف مع اليهود حية هناك، يمكن أن تكون بمثابة حافز قوي نحو تحقيق ذلك، لأن الحكومات الغربية تهتم بأصوات شعوبها، كما أن جهود الحكومات المهمة في المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة الأردنية الهاشمية ومصر .. وغيرها، والتي تتمتع بعلاقات جيدة مع العالم الغربي، لم تخلو من التأثيرعلى الحكومات الغربية في هذا الاتجاه.

 

3- إجازة الوثائق الدولية لقيام الدولة الفلسطينية

في نوفمبر عام 1947 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي قسمت أرض فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، حتى الآن العديد من القرارات الداعمة للمطلب الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، والتي سبق ذكرها، ويمكن لهذه القرارات أن تكون بمثابة دعم قانوني لإقامة الدولة الفلسطينية.

كما أصدر مجلس الأمن الدولي عدة قرارات دفاعا عن فكرة إقامة الدولة الفلسطينية، لكن لم ينفذ أي منها؛ لأن الولايات المتحدة لم تمارس الضغوط الكافية على إسرائيل، على سبيل المثال، بعد حرب الأيام الستة في عام 1967، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 242، الذي طالب إسرائيل بالانسحاب إلى حدودها القائمة من قبل، وانسحبت من قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية، ولكن ليس من القدس الشرقية؛ المنطقة التي من المفترض أن تكون مركز الدولة الفلسطينية، وبعد حرب أكتوبر 1973 أصدر مجلس الأمن أيضاً القرار رقم 338 الذي يؤكد القرار الأول.

لكن إسرائيل لم تنفذ بنود تلك القرارات، وتمردت على هذه القرارات الأممية مستعينة باسقتوائها بعلاقتها المتينة مع الولايات المتحدة التي لم تمارس الضغوط اللازمة والكافية، وهذان القراران هما أشهر قرارات مجلس الأمن، وبالطبع صدرت العديد من القرارات الأخرى التي لم يتم ذكرها تفاديا للإطالة.

 

العوائق والتحديات أمام إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة

 

هناك أربعة عوامل تسببت في تأخير إقامة دولة فلسطينية، ولكن ليس بالضرورة إيقافها وهي:

 

1- اليمين المتطرف في إسرائيل

أهملت الأحزاب اليمينية في إسرائيل، والتي تجتمع معظمها في حزب الليكود، الاهتمام بحقوق الفلسطينيين، وعارضت دائما إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، ولعل نتنياهو مثال واضح في هذا الصدد، الذي يعارض منح أي امتيازات للفلسطينيين، فلو كان شخص آخر غير يميني في السلطة الإسرائيلية لفترة طويلة، فمن المرجح أن العقدة العمياء للمشكلة الفلسطينية كانت قد انحلت جزئيا، ولو لم يكن نتنياهو في منصبه هذه الفترة، فمن المحتمل أن حماس لم تكن لتهاجم إسرائيل، لأن هذه الجماعة أعلنت أنها فعلت ذلك ردا على تدنيس المسجد الأقصى من قبل اليمينيين، كما ولو كان حزب الليكود هو حاكم إسرائيل في أوائل التسعينات، فربما لم تكن اتفاقيات أوسلو قد تم التوقيع عليها، فعلى سبيل المثال، اغتيل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، الذي كان يميل إلى السلام ووقع أيضًا اتفاقيات أوسلو، على يد اليمينيين في بلاده، وهناك مزاعم بأن ياسر عرفات قُتل أيضًا بعد تسميمه على يد القوات الإسرائيلية اليمينية، وها هي حكومة نتنياهو تقول بوضوح وصارحة هذه الأيام إنها لن توافق على إنشاء دولة فلسطينية.

ومن الطرف الفلسطيني هناك أيضا مجموعات غير قابلة للاعتراف بإسرائيل والاتفاق معها، وحماس وداعميتها إيران من هذه المجموعات، فهي تؤكد على عدم استعدادها بالاعتراف بإسرائيل، والجدير بالذكر إن توجه حماس الأولي تجاه إسرائيل قد تم تعديله، وأنها مستعدة لتشكيل دولة فلسطينية على حدود ما قبل عام 1967، دون الاعتراف علنا بإسرائيل، لكن يبقى العائق الأكبر هو رفض إيران لحل إقامة الدولتين، وبطبيعة الحال، رفض خالد مشعل، عضو قيادة حماس، خطة الدولتين في تصريحاته الأخيرة بعد تكثيف الجهود الأمريكية، وقال: “حماس لا تقبل مصطلح حل الدولتين وترفضه؛ لأن هذا الحل يعني أن لدينا دولة موعودة وعلينا أن نعترف بشكل شرعي بالطرف الآخر وهو النظام الإسرائيلي، وهذا مرفوض بشكل قاطع”، وليس من الواضح ما إذا كانت حركة حماس بأكملها تتفق مع هذا الرأي أم لا، إلا أنه يمكن القول أنه جاء بتأثير مباشر من قبل إيران على قادة حركة حماس.

تظهر الحالات المذكورة أعلاه أن هناك قوى متطرفة في كلا الجانبين ينفي كلاهما وجود الآخر، ومن المثير للاهتمام أن حكومة نتنياهو دعمت حماس في وقت ما بهدف إضعاف السلطة التي تؤيد السلام مع إسرائيل، وفي الآونة الأخيرة، أدلى جوزيب بوريل، رئيس السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، بالادعاء المذكور أعلاه، والذي أثار الكثير من الأخبار حيث قال: “لقد أنشأت إسرائيل حماس ودعمتها ماليا من أجل إضعاف تشكيل حكومة فلسطينية محتملة”، أي أن اليمين الإسرائيلي دعم المجموعات المسلحة في فلسطين، والتي نفذت عميلة هجوم 7 أكتوبر، من أجل منع قيام الدولة الفلسطينية، ولهذا السبب تحاول الحكومات الغربية دعم السلطة في الجانب الفلسطيني؛ لأنها تدعو إلى السلام وحل الدولتين، وفي إسرائيل يتوقعون أيضا أن يصل حزب العمل إلى السلطة لتهيئة الفرصة لإقامة دولة فلسطينية.

 

2 – قضية القدس

إن قضية من هي الجهة التي ستتولى إدارة القدس؟ هي القضية الأكثر إثارة للجدل، والتي لا تزال أحد أهم عوائق التوصل إلى حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، ربما لأنها تتمتع بقدسية دينية لدى أتباع الديانات الثلاث (الإسلام واليهودية والمسيحية).

ودعا القرار 181 للجمعية العامة اعتبار القدس منطقة دولية لمدة عشر سنوات، حيث تدار من قبل نظام دولي تحت إشراف الأمم المتحدة، لكن الحرب العربية الإسرائيلية في منتصف مايو 1948 عطلت كل شيء.

ونتيجة لتلك الحرب، احتلت إسرائيل الجزء الغربي من القدس، وتم تخصيص الجزء الشرقي للأردن، واحتلت إسرائيل شطري القدس في حرب 1967، ولم تنسحب منها حتى الآن، خلافا لقرار مجلس الأمن رقم 242.

وفي يوليو 1980، أعلنت الجمعية الوطنية الإسرائيلية (الكنيست) القدس عاصمة دائمة للبلاد، الأمر الذي أدى إلى رد فعل جدي من جانب الأمم المتحدة، وفي عام 1995، أقر الكونجرس الأمريكي قانون نقل سفارة البلاد إلى القدس، لكن لم تنفذه أي حكومة حتى مجيء دونالد ترامب،  وفي ديسمبر 2017، اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة واشنطن إليها؛ وقد أدانت الأمم المتحدة والدول الإسلامية هذا الإجراء، وطلبت من الدول الأخرى عدم القيام بذلك، والأهم في هذا السياق أن إسرائيل ليس فقط غير مستعدة للانسحاب من القدس، بل إنها استمرت في بناء المستوطنات في قلب هذه المنطقة وتوطين اليهود وطرد الفلسطينيين.

إن حل مشكلة إدارة القدس أمر صعب، لكنه ليس مستحيلا، وإذا مارست الولايات المتحدة الضغوط اللازمة والكافية على إسرائيل، وكانت الحكومة فيها يسارية، فقد يتم تبني حل دولي تكون فيه الأمم المتحدة مركزاً لإدارتها، بما يرضي الطرفين.

3- الاستيطان وقضية اللاجئين الفلسطينيين

وهناك قضية أخرى مهمة، لا تقل أهمية عن إدارة القدس، وهي بناء المستوطنات ومصير اللاجئين الفلسطينيين، لقد بنت إسرائيل المستوطنات وأسكنت اليهود في كل منطقة احتلتها؛ وهي مشكلة أدت إلى زيادة عدد اللاجئين الفلسطينيين.

فمنذ فجر قيام إسرائيل، استمرت عملية تهجير الفلسطينيين، ويستضيف لبنان والأردن وسوريا ملايين اللاجئين الفلسطينيين، وتستضيف غزة، التي تديرها حماس، أيضًا الفلسطينيين الذين نزحوا أو طردوا من الأراضي المحتلة، وبالمثل، تشهد أجزاء من الضفة الغربية أيضا تواجد الفلسطينيين الذين نزحوا من مناطقهم الأصلية.

 

ويناقش اتفاق أوسلو مسألة المستوطنات والنازحين، لكن إسرائيل، خلافا لبنوده، قامت بتسريع عملية بناء المستوطنات، مما أدى إلى زيادة أعداد النازحين، على سبيل المثال، قبل التوقيع على اتفاقيات أوسلو، بلغ عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية 90 ألفاً، ويقال إنه ارتفع إلى 470 ألفاً في عام 2022، أما الوضع في القدس، وخاصة الجزء الشرقي منها، فهو أسوأ، لذا فقد يكون من الصعب على إسرائيل الانسحاب من المستوطنات، لكنه ليس مستحيلا.

كما أن إسرائيل حساسة للغاية تجاه عودة اللاجئين، ورغم صدور قرار خاص عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الخصوص، إلا أن تل أبيب رفضت الالتزام ببنوده، وتخشى إسرائيل من عودة اللاجئين العدد الكبير من الفلسطينيين، على سبيل المثال، يقال أن ما يقرب من مليوني عربي يعيشون في إسرائيل ويعتبرون مواطنين في هذا البلد، العرب الذين يعيشون في غزة والضفة الغربية هم أيضا عدد كبير من السكان، وبالمثل، هناك ما يقرب من ستة ملايين فلسطيني يعيشون في الدول العربية، فإذا تشكلت الحكومة الفلسطينية وتجمع اللاجئون في منطقة جغرافية واحدة، فإن عددهم سيفوق عدد سكان إسرائيل؛ وهو أمر غير مقبول بالنسبة للحكومات اليمينية في هذا البلد.

4- إنكار إيران لوجود إسرائيل

لابد من الاعتراف إن موقف إيران فعال في تحديد مصير الفلسطينيين؛ لأنها منخرطة في القضية الفلسطينية منذ سنوات طويلة، مما قد يجعل من الصعب إنكار دورها، على سبيل المثال، حتى مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991، لم تظهر إيران أي تفضيل للمجموعات الفلسطينية، وهذا المؤتمر الذي عقد بهدف إحلال السلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، تم نفي دور طهران فيه، إلا أن إيران دعمت آنذاك حماس والجهاد الإسلامي ضد إسرائيل؛ وهو عمل لم يكن بلا أثر.

إن موقف إيران ضد إسرائيل واضح: إنكار الوجود أو الدمار، ولا يوجد لإسرائيل وجود في نظر قادة إيران في ظل ولاية الفقيه، ولهذا السبب، أعلنت إيران مؤخراً أنها ستدخل كطرف ثالث في محكمة لاهاي دعما لشكوى حكومة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بارتكاب “الإبادة الجماعية” في غزة لأن إسرائيل لا ينبغي أن توجد من حيث النظرة الإيرانية.

فإيران كانت ولا تزال معارض قوي لخطة الدولتين؛ لأن تنفيذه يستلزم الاعتراف بإسرائيل، وعلى سبيل المثال، ادعى وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان في خطابه أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك منذ وقت ليس ببعيد: “إن الحل الكامل للقضية الفلسطينية لا يمكن تحقيقه إلا من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة على كل تلك الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل”، أي كل أرض فلسطين من البحر (البحر الأبيض المتوسط) إلى النهر (نهر الأردن) مملوكة فقط للفلسطينيين الأصليين، من المسيحيين واليهود والمسلمين، ويقصد بذلك أمير عبد اللهيان اليهود الذين كانوا في أرض فلسطين سابقا، وليس الذين نُقلوا إليها من أوروبا وغيرها من أنحاء العالم نتيجة الأحداث اللاحقة، كما قال المرشد الإيراني عدة مرات وبوضوح: “إن خطة الدولتين ليست سوى استسلام لمطلب الصهاينة، وهو ما يعني قبول الحكومة الصهيونية في الأرض الفلسطينية، “فلسطين من النهر إلى البحر، ولا أقل من ذلك أبدا.”

وعلى الرغم من المواقف المعلنة، فإن إيران صوتت فعليا لصالح القرارات والبيانات التي أكدت بنودها على تنفيذ خطة إقامة الحكومتين، على سبيل المثال، منذ وقت ليس ببعيد، في اجتماع منظمة الدول الإسلامية الذي عقد في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، بهدف إدانة حرب غزة، وقع السيد إبراهيم رئيسي، رئيس إيران، على القرار النهائي من ذلك اللقاء، فيما أكدت بنوده على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية في حدود ما قبل عام 1967، حيث يشير إلى: “التأكيد المتكرر على حق فلسطين في العودة إلى الأراضي المحتلة خارج حدود عام 1967 وحق الفلسطينيين في تحديد مصيرهم”، المصير والعيش ضمن الحدود التي كانت قائمة قبل الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وبالمناسبة، أثار توقيع السيد رئيسي على هذا القرار الكثير من الأخبار.

النتيجة

إن إقامة دولة فلسطينية مستقلة أمر صعب، ولكنه ليس مستحيلا، وذلك يتطلب أن تبدي الولايات المتحدة إرادة جادة، وبنظرة سطحية للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط تظهر أن هذه الدولة إذا أرادت ذلك فإنها تستطيع بسهولة أن تضع حداً للأزمة الفلسطينية، ورغم أن معوقات قيام الدولة الفلسطينية كثيرة مقارنة بالعوامل المساعدة، إلا أن جدية أمريكا قادرة على تحييد تلك المعوقات.

إن الظروف الحالية أكثر ملاءمة من الماضي؛ لأن عيون القوى الكبرى الأخرى مركزة بطريقة أو بأخرى على حكومة جو بايدن، وتتوقع منها أن تأخذ زمام هذه المبادرة على محمل الجد، وعلى سبيل المثال، صرح ديفيد كاميرون، وزير الخارجية البريطاني مؤخرا أن بلاده تعتزم تسريع عملية الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، الإجراء الذي يمكن أن يكون فعالا للغاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.