أخبار ||

مقاربة في “اللاورقة الأردنية للحل في سوريا ” :  خطوة خطوة .. أم فرصة لمعجزة تأهيل النظام .

نشر موقع “العربي الجديد” مضمون ماقيل أنها “اللاورقة” الأردنية للحل في سوريا، وقال الموقع إنه حصل عليها من مصادر في واشنطن، ومايظهر في الورقة، أنها جاءت كضوء أخضر للأردن بعد الزيارة التي قام بها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن ولقائة الرئيس الأمريكي جو بايدن.

و بالنظر إلى ” اللا الورقة الأردنية” فإنها تُظهر  المقترح الأردني، الذي يقوم على نهج جديد يعتمد  تقديم حوافز للنظام مقابل الإجراءات المطلوبة والتغييرات السياسية؛ التي سيكون لها تأثير مباشر على الشعب السوري، وأنه –حسب الورقة- سيتم تحديد “العروض” للنظام بعناية مقابل “الطلبات” التي ستطرح عليه.

وجاء في المقترح جدول يتضمن المجالات التي سيتم العمل عليها على مبدأ خطوة مقابل خطوة في النهج الجديد، وقُسّمت المجالات إلى أربعة جوانب: الإنساني، تطبيق القرار الأممي 2254، محاربة الإرهاب، انسحاب قوات الدول الأجنبية من سوريا.

وحول هذه المقترحات الأربعة التي جاءت تراتبياً في ” اللاورقة الأردنية”، نستعرض المقاربة التالية:

أولاً- الجانب الإنساني: حيث يشير هذا المقترح إلى موضوع رفع العقوبات ومنها قانون قيصر، منعاً لعدم تفاقم الأوضاع الإنسانية للسوريين، وهنا تثور الكثير من التساؤلات حول الآليات الكفيلة بوصول المساعدات للمدنيين السوريين من جهة، كما قدرة هذه الخطوة على أن تشكل منعكساً لإصلاح الأوضاع الاقتصادية بما يعود على المواطن السوري، وهي الخطوة التي تصطدم بالكثير من العقبات بسبب منظومة الفساد التي تتشابك في سورية، والتي تفاقمت لدرجة أن العمليات الاقتصادية في سوريا أصبحت في غالبيتها بيد أمراء الحرب الذين أصبحوا تجاراً يتحكمون بالسوق ويوجهون اقتصاده خارج بنية سلطة الدولة، فتفاقم الفساد لدرجات فاقت بكثير مراحل ماقبل الصراع، كما زادت معها طرق استغلال للمواطن السوري خلال سنوات الصراع، وهو ماسنعكس مباشرة إلى ماتوسعت ” اللاروقة الأدنية ” في شرحه من ” الموافقة على استمرار المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وتسهيل قوافل الأمم المتحدة عبر الخطوط داخل سورية، ومنح المفوضية حق الوصول الكامل إلى المناطق المعنية.

ثانياً- عودة النازحين واللاجئين: كما تضمنت ” اللارورقة” موضوع تسهيل عودة النازحين إلى مسقط رأسهم (بما في ذلك مخيم الركبان للنازحين) وتسهيل العودة الطوعية والآمنة للاجئين عبر عملية تدريجية ومنهجية تحت إشراف المفوضية.

بالنسبة لهذه النقطة، تبدو ” اللاورقة الأردنية” تتأسس على فكرة أساسية في الصراع السوري، وكأن القضية السورية قضية إنسانية، في تجاهل لأساس المشكلة كقضية سياسية أولاً، وبدون التركيز على ذلك، يشير إلى أن الملف السوري سيبقى مفتوحاً على الصراع وعدم الاستقرار، وبالتالي فإن أي خطوة غير سياسية ستشكل عائقاً أكثر من كونها حلاً، فأولئك النازحون أو اللاجئون لم يخرجوا من سورية بسبب الجوع أو البرد، وإنما بسبب أوضاعهم السياسية، وهم بأغلبيتهم سوريون مطلوبون للنظام بسبب مواقفهم السياسية، سواء بسبب مشاركتهم بالمظاهرات أو التعبير عن آرائهم أو مشاركتهم مع الفصائل المسلحة. عدا أن غالبية المناطق التي خرج منها هؤلاء في غالبيتها مناطق تكاد تكون خارج سلطة الدولة، وتقع تحت هيمنة المليشيات الإيرانية، أو الفصائل المسلحة التابعة لتركيا، وبالتالي فإن عدم عدم وجود آلية دستورية، تؤمن أولاً خروج القوات الأجنبية أولاً، ومن ثم إيجاد آلية دستورية تحول أيضاً دون أعمال انتقامية من جماعات موالية للنظام وحلفائه في بلد أصبحت فيه – دون شك- قوة المليشيات والفصائل أقوى من سلطة الدولة.

ثالثاً-  المصالحة مع المعارضة السابقة ومختلف مكونات المجتمع السوري: يبدو –حسب اللاورقة – مفهوم ” المعارضة السابقة” فضفاضاً، وكأن المعارضة المقصودة هي المعارضات المشتتة والمختلفة مع بعضها أكثر من خلافها مع النظام ( الائتلاف، اللجنة الدستورية، هيئة التفاوض) ، وبالتالي فإن ” اللا ورقة” تعرف بالمعارضة التي شكلتها الدول من خلال أشخاص لايتجاوزون أصابع اليد، حيث كانت أدوارهم في المعارضة الرسمية لاتتعدى إيصال ما يجري في اجتماعاتها الخارجية لمخابرات الدول التي يتبعون لها، فهل الائتلاف أو اللجنة الدستورية أو هيئة التفاوض هي المقصودة بذلك، كمكونات مازال الشعب السوري لايعترف بها، لبديهة تشكيلها من قبل القوى المتصارعة في سورية، وبالتالي فإن الاعتراف بها في إطار  المصالحة مع النظام لاتتعدى تحويل هؤلاء إلى معارضة شكلية، يتم استراضائها – كشخصيات – بمناصب إدارية ومن ثم نسيانها.

رابعاً- اتخاذ إجراءات لضمان المساءلة ووقف الاضطهاد والتحقيق في التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان:

بعد إنجاز ما أسمته ” اللاورقة الأردنية” المتطلبات آنفة الذكر، قدمت عروضها من قبل المجتمع الدولي وذلك بإرسال مساعدات صحية إلى سورية، بما في ذلك المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، لدعم عمليات التعافي والاستقرار، وتمويل برامج إعادة الإعمار التي ستساعد على عودة النازحين واللاجئين إلى بلداتهم ومدنهم.

خامساً- الجانب السياسي:  وفي هذا الخصوص تحدثت “اللاورقة” الأردنية عن أربعة متطلبات، وهي اعتماد دستور معدة صياغته على أساس مسار اللجنة الدستورية، الإفراج عن المعتقلين والسجناء السياسيين وكشف مصير المفقودين، الموافقة على تشكيل هيئة حكم انتقالية أو شكل حكم حقيقي يؤدي إلى حكم أكثر شمولاً في سورية، إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة تؤدي إلى تشكيل حكومة شاملة.

والعروض المقابلة لتطبيق المتطلبات هي: تخفيف تدريجي للعقوبات على سورية، بما في ذلك تسهيل تجارة السلع مع أطراف أخرى، ورفع العقوبات عن القطاعات العامة السورية، بما في ذلك البنك المركزي والجهات الحكومية والمسؤولون، تقارب دبلوماسي مرحلي لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية وإعادة فتح البعثات الدبلوماسية في دمشق، وتسهيل عودة سورية إلى المحافل الدولية واستعادة مكانتها في جامعة الدول العربية.

وفي مجال مكافحة الإرهاب جاء في “اللاورقة” الأردنية: التعاون مع التحالف الدولي في مواجهة العناصر الإرهابية، تبادل المعلومات الأمنية، وقف أنشطة الجماعات المتطرفة المرتبطة بإيران في سوريا واستفزازاتها للطوائف السنّية والأقليات العرقية.

في مقابل ذلك، يتقدم المجتمع الدولي بعدة خطوات هي: التعاون مع النظام السوري وروسيا في مكافحة الإرهاب في شمال غربي سوريا، ومكافحة العناصر الإرهابية في شرقي سوريا، الاستقرار وإعادة الإعمار في المناطق المحررة من “داعش” الخاضعة لسيطرة النظام السوري، التنسيق بين النظام و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في التعامل مع سكان مخيم الهول والمقاتلين الإرهابيين وعناصر “داعش” المحتجزين.

السؤال: هل ” اللاورقة الأدرنية ” تسير في إطار القرار 2254 كسكة أممية للحل في سورية؟

وفي هذا الخصوص، يبدو أن ” اللاورقة الأردنية” تؤسس لعملية تقترب من تفسير القرار 2254 دون أن تطبقه بروحه المعني بعملية التغيير الديمقراطي، إذ تبدو ” اللاورقة ” مهمتة أكثر بتدجين الأوضاع كما هي عليه، ويبدو أن ” اللارورقة” مهتمة بعملية ” المصالحة” أكثر من عملية ” التغيير”، إذ تكشف الورقة عن حكومة بين النظام الحالي والمعارضة ” السابقة” ومجموعات أخرى، وبالتالي فإن الموضوع يجنح نحو  ” حكومة وحدة وطنية” مشكلة من النظام الحالي، والمعارضة الحالية في نوع من تقاسم السلطة بين شخصيات من الطرفين، دون الولوج بتفسيرات أكثر دقة لتطبيق القرار 2254 وذلك بإعطاء صلاحيات أكبر لجسم انتقالي يؤسس لحل يتناسب وتضحيات السوريين، إذ لم تتحدث اللا ورقة –  وإن تجاوزت فكرة تغيير النظام لظروف معروفة عن مسألة في غاية الأهمية، تتعلق بمفهوم وشكل ” الجسم الانتقالي” الذي يشكل مفتاح الحل الحقيقي، وبالتالي قد تبدو عملية التغيير التدريجي المطلوب أمراً غير متحقق حسب اللاورقة، لاسيما وأنها تجاوزت  فكرة إصلاح المؤسسات الدستورية وحوكمتها في إطار جسم انتقالي يضم الخبرات والتكنوقراط السوريين المعارضين، في مهمة تؤسس لبناء الدولة، وعدم اقتصارها على شخصيات المعارضة الرسمية التي ستقبل بما يمليه عليها الدول التي يتبعون لها.

أما في بند انسحاب القوى الأجنبية من سوريا جاءت في “اللاورقة” خمسة متطلبات هي: انسحاب جميع العناصر غير السورية من الخطوط والمناطق الحدودية مع دول الجوار، بما في ذلك “الحرس الثوري” الإيراني والجماعات التابعة لإيران و”حزب الله”.

بالنظر إلى هذا البند يثور سؤال حول عبارة ” من الخطوط والمناطق الحدودية مع دول الجوار” دون أن تفصح عن خروج المليشيات الإيرانية عن كامل سورية، وترك هذا الموضوع لعمليات القصف التي تقوم بها إسرائيل بغض طرف روسي، وهي عمليات لم تؤثر على تغول وهيمنة هذه المليشيات وسيطرتها على الأرض منذ عشر سنوات.

بالإضافة إلى ذلك تحدثت ” اللاورقة ” عن عودة القوات الروسية في سوريا إلى ما كان عليه قبل 2011، و إعلان وقف إطلاق النار على مستوى البلاد ووقف جميع العمليات العسكرية بما في ذلك القصف الجوي والغارات، والمشاركة الإيجابية مع البلدان المجاورة والالتزام بالاستقرار الإقليمي بما في ذلك الوفاء بالتزامات منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. ويفهم من هذا البند – فيما يتعلق بموقع روسيا في سورية- الاعتراف بدور روسيا في مستقبل الدولة السورية، والبقاء فيها كمنطقة نفوذ تقليدي للاستراتيجية الروسية.

وختمت اللاورقة بأن يُقدم المجتمع الدولي مقابل ذلك عروضاً من بينها تسهيل الاتفاق بين “قوات سورية الديمقراطية” والنظام السوري بشأن الوضع الأمني في شمال شرقي سورية، مما يمهد الطريق أمام انسحاب أميركي من المنطقة بما في ذلك من التنف، التنسيق بين جيش النظام والأجهزة العسكرية والأمنية لدول الجوار لضمان أمن الحدود مع سورية، ووقف جميع الأنشطة الجوية العسكرية الأجنبية فوق سورية، بما في ذلك من قبل إسرائيل والتحالف الدولي، ما لم يتم الاتفاق على ذلك مع النظام كجزء من عمليات مكافحة الإرهاب.

بالنسبة لهذا البند، وحسب ماقيل عما تقدمه ” اللاورقة الأردنية” يبدو أنها تعترف بانسحاب أمريكي عن سورية مقترن بإنجاز ماتطرحه ” اللا ورقة”، وتبدو هذه النقطة من النقاط التي كان على ” اللاورقة” أن تشرح تفاصيلها بالتركيز على الحل السياسي، وبتراتبية واضحة تضمنتها المادة  4 من القرار 2254  التي حددت أولاً تشكيل جسم انتقالي يؤسس لحوكمة شاملة ذات مصداقية وغير طائفية، بما يمهد لاضطلاع هذا الجسم لتطبيق المرحلة الثانية من المادة 4 من القرار ذاته وذلك باضطلاع الجسم الانتقالي ذاته بالولوج بعملية صياغة الدستور القادر على صناعة السلام بين السوريين، وإيجاد الآليات الكفيلة لدستور يؤمن عودة اللاجئين والنازحين بحرية وأمان، بما يؤسس لانتخابات حرة ونزيهة.

يمكن القول:  كان من الممكن أن تركز ” اللاورقة الأردنية” على  العملية السياسية في سورية، ولديها فرصة في ذلك من خلال إيجاد آليات خلاقة في المجال الدستوري وخارج المسار التقليدي للجنة الدستورية، بما يضمن بقاء العملية الدستورية في إطار الأمم المتحدة، والعمل على توسيع عمل اللجنة الدستورية بآليات وطنية تشارك فيها جميع القوى الوطنية السورية، كبداية لحل عقدة التفاوض، التي ارتكزت على فكرة تقاسم السلطة، دون التركيز على شكل الدولة المستقبلة والسلام المستدام، وهي الإشكالية التي وصمت العملية السياسية في سورية بالاستعصاء المستمر.

إنّ تتبع الحراك الدبلوماسي مؤخراً في إطار القضية السورية دولياً وإقليمياً وعربياً ، يشير أن ” اللاورقة الأردنية” تنطلق من واقع جديد في التعامل مع النظام السوري، وبالتالي فهي بداية لواقع مجهول المعالم، أمام نظام يتيه بنفسه كبراً بتجاوز أزمته، غير آبهه بما وصلت إليه البلاد من واقع اقتصادي وجغرافي مخزي، ودولة يتوزع أكثر من سكانها في المخيمات واللجوء والنزوح، مستفيداً من رؤية المجتمع الدولي بعدم وجود معارضة فعلية، حيث أثبتت المعارضة السورية للعالم، ارتهانها، وفسادها، وتبعيتها، وارتزاقها، وشخصنتها، وخلافاتها البينية، التي كشف عن شخصيات مراهقة سياسياً، أصبحت مذمومة في نظر السوريين، ومادة للسخرية والشتم على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الشعب السوري، ولهذا جاءت ” اللاورقة” كنتيجة لحسم موضوع الثنائية الكاذبة ” النظام والمعارضة” بعد أن ثبت بشكل قاطع فشل المعارضة السورية، وأن الموضوع لايتعلق بهكذا معارضة وإنما بمن يقف ورائها، وهي من أهم النقاط التي استفاد منها النظام.

لقد فشلت المعارضة السورية – بوجوهها التي لم تتغير منذ عشر سنوات كما وجوه النظام – أن تنجح في حل سوري يتناسب وتضحيات السوريين، وأوضاعهم على أرض الواقع، وبالتالي فإن ” اللاورقة” تقف أمام احتمالين:

الأول- حل شكلي يعيد تدوير النظام والمعارضة – كثنائية هشة- في حكومة قلقلة لدولة فاشلة بسلام نسبي تعيشه العاصمة دمشق على المدى الطويل، بينما تعيش باقي الجغرافيا السورية والشعب السوري موتاً سريرياً في مناطق نفوذ تبدو تابعة للدولة السورية.

الثاني-  البدء بتطبيق القرار 2254 خارج منظومة المعارضة الحالية، بالاتفاق على جسم سياسي يضطلع بمراحل تطبيق ” اللاورقة”، بحيث يكون جسماً سورياً يعمل باستقلالية ويضم جميع القوى والشخصيات الوطنية الديمقراطية دون استثناء، والعمل على تطبيق ما توافق عليه المجتمع الدولي الذي رسم سكة الحل الواضحة في القرار 2254، الذي حدد بشكل واضح تراتبية واضحة للحل في إطار  هذا الجسم الانتقالي الذي يجتمع فيه سوريون يبحثون عن حل وطني ينقذ البلاد السورية المقسمة ، ليضطلع هذا الجسم في مرحلة ثانية برسم معالم ” عمليات بناء الدستور السوري”، بأيدي سورية لم تتلوث بالدم السوري والتبعية والارتزاق، والعمل على بحث الأسباب البنيوبة التي أدت إلى هذا الصراع المدمر، ووضع الآليات التي تحول دون تكرارها، بدءاً من العمل على عدم تركيز السلطة بشكل مطلق في المركز وتوزيعها بين مؤسسات الحكم، و دراسة الخيارات الممكنة لإزالة تركيز صلاحيات السلطة التنفيذية عبر التفاوض، من خلال ديمقراطية تشاركية في إطار علاقة متجاوبة وفعالة مع المركز، من خلال عملية تسيرها الأمم المتحدة، بتوافق الفاعلين الدوليين، و بما يساعد القوى المحلية السورية على تجاوز حالة الانقسام الحاد فيما بينهم، و التأسيس لمؤسسات ديمقراطية مستقلة قادرة على تذليل الأسباب التي أدت إلى نشوب الصراع؛ والبدء بعملية سلام مستدام.. سلام سوري لايوقف الحرب وحسب، وإنما يقيم الدولة السورية المنشودة.

عرض وتحليل: وحدة الدراسات والبحوث في التيار العربي المستقل.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.