أخبار ||

بين كيسنجر و الشاعر .. رؤيتان أمريكية و روسية حول خطورة تصعيد التوتر مع روسيا.

منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أكرانيا، حذر الكاتب والمحلل الاستراتيجي د. رامي الشاعر  من تصعيد الناتو التوتر مع روسيا، معتبراً ذلك نوعاً من اللعب بالنار ، وهي الدعوات ذاتها التي أكدها – فيما بعد – وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر  في حديث له – مؤخراً- على قناة CNN الأمريكية، حيث اعتبر  – منظر  السياسة الخارجية الأمريكية والمستشار الدائم لها -أن التحدي في أي صراع لايكمن في البدء به، ولكن في تداعياته وكيفية إنهاؤه، محذراً – أي كيسنجر- من ” خطورة انزلاق الولايات المتحدة في مواجهة عسكرية بحتة، وبالتالي صراع لايمكن إنهاؤه”. ودعا كيسنجر في المقابلة ذاتها إلى ضرورة تجنب المواجهة. 

في مؤتمر دافوس 2022 دعا كيسنجر أكرانيا إلى أن تتنازل عن بعض أراضيها من أجل إنهاء مايجري، محذراً  بالمقابل أمريكا من الحرص على إذلال روسيا، لما لذلك من تداعيات ستؤدي – حسب كيسنجر-  إلى زعزعة استقرار أوروبا على المدى البعيد. داعياً إلى المفاوضات قبل الغليان وتصاعد التوتر.
جاءت دعوات كيسنجر هذه بعد أن أقرّ الكونجرس الأمريكي دعماً لأكرانيا بقيمة  ٤٠ مليار دولار، في إشارة منه لتداعيات ذلك على الأوضاع الاقتصادية في العالم بشكل عام، وعلى الأوضاع الداخلية الأمريكية بشكل خاص.

في السياق ذاته أعاد  الكاتب والباحث الاستراتيجي رامي الشاعر  دعواته في أن يستوعب “الناتو” خطورة تصعيد التوتر مع روسيا، وما يمكن أن يسفر عنه اللعب بالنار، من إمداد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة الهجومية، وقطع طرق الإمدادات إلى الغرب الروسي، وربما هناك المزيد من التوترات المزمعة في ترانسنيستريا مع مولدوفا، أو إشعال توترات أخرى، كرد فعل على هزيمة المخطط الأمريكي في أوكرانيا، ونجاح العملية الخاصة الروسية. 

وتمنى  الشاعر، أن يستوعب “الناتو” خطورة تصعيد التوتر مع روسيا، وما يمكن أن يسفر عنه اللعب بالنار، من إمداد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة الهجومية، وقطع طرق الإمدادات إلى الغرب الروسي، وربما هناك المزيد من التوترات المزمعة في ترانسنيستريا مع مولدوفا، أو إشعال توترات أخرى، كرد فعل على هزيمة المخطط الأمريكي في أوكرانيا، ونجاح العملية الخاصة الروسية.

رؤيتان.. الأولى لهنري كيسنجر اللاجئ الألماني  إلى الولايات المتحدة الأمريكية في أربعينيات القرن المنصرم،  قبل أن يصبح وزير خارجيتها ومستشار أمنها القومي، و أحد أهم سياسي العصر الحديث، والثانية لرامي الشاعر اللاجئ الفلسطيني إلى سورية، قبل أن يصبح من أهم  منظري السياسة الروسية وأحد مستشاريها..

وبين رؤيتين تقف كل منهما على ضفة، تبدو نتائج العملية العسكرية الروسية في أكرانيا معروفة سلفاً. 

اعتبر الكاتب والمحلل الاستراتيجي د. رامي  الشاعر، أنه يجب أن يعي الجميع أن روسيا صارمة فيما يتعلق بأمن مواطنيها ووحدة أراضيها وسيادتها ولن تتردد للرد على أي استخدام لأراض مجاورة، سواء في “الناتو” أو في غير “الناتو”، لتهديد أمنها القومي، لأن ذلك خط أحمر ممنوع تجاوزه بأي صورة من الصور، وأي شكل من الأشكال، حتى لو تكلف الأمر اندلاع حرب مع “الناتو”.

وحول الأوضاع الاقتصادية وتداعياتها، قال الشاعر ، في مقالة نشرها – أمس – على صحيفة الرأي العام، لقد أخطرت ليتوانيا منطقة كالينينغراد الروسية بتقييد عبور البضائع الخاضعة لعقوبات الاتحاد الأوروبي اعتبارا من 18 يونيو الجاري، وتشمل تلك البضائع مواد البناء والمعادن والأخشاب والأسمنت والأسمدة والكحول والكافيار وبعض فئات السلع الأخرى، فيما يبلغ حوالي 50% من السلع العابرة إلى المنطقة. وتابع الشاعر، من جانبه صرح وزير الخارجية الليتواني، غابريليوس لاندسبيرغيس، بأن ليتوانيا تتصرف وفقا للتوضيحات التي وردت من المفوضية الأوروبية بشأن تدابير الحزمة الرابعة من عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، كما لم يتم إيقاف أو حظر العبور البري بين منطقة كالينينغراد بشكل مطلق، ولا يزال عبور الركاب والبضائع غير الخاضعة للعقوبات ساريا، إلا أن معاهدة الحدود الروسية الليتوانية لعام 2003، وضمان العبور إلى كالينينغراد كان شرطا مهما لانضمام ليتوانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وما يحدث الآن هو أن بروكسل وفيلنيوس تنتهكان حزمة الاتفاقيات الموقعة بينهما وبين روسيا، ما يثير تساؤلات حول الحدود الحالية للاتحاد الأوروبي، ويفتح الباب على مصراعيه لسيناريوهات الرد الروسي التي يمكن أن تتضمن إجراءات مؤلمة للغاية.

الشاعر اعتبر أن تبريرات وزير الخارجية الليتواني مرفوضة شكلا وموضوعا، وما تورطت به ليتوانيا بالفعل يعد مسوغا قانونيا وشرعيا لكي ترد روسيا بقسوة ودون تساهل، لأن الإجراءات الليتوانية تمس جوهر الأمن القومي الروسي باعتدائها الفج والصريح على السيادة ووحدة الأراضي الروسية، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة، حتى لو اضطرت روسيا من أجل ذلك إلى توسيع نطاق عمليتها العسكرية الخاصة لتشمل أراضي ليتوانيا، من أجل تأمين ممر بري آمن يصل الأراضي الروسية بمنطقة كالينينغراد. ذلك أن انتهاك ليتوانيا للاتفاقيات والمعاهدات المبرمة، إنما يحلّ روسيا من شرعية جميع الوثائق الموقعة مع الاتحاد الأوروبي بشأن عضويتها به، ويطلق يد روسيا في حل مشكلة العبور إلى كالينينغراد، بما يتلائم ومتطلبات أمنها القومي. وبالمناسبة، فإذا كان هناك حديث يدور لفترة طويلة حول الحاجة إلى إصلاح الاتحاد الأوروبي، فبإمكان روسيا مد يد العون لـ “الشركاء الأوروبيين” والمساهمة في ذلك، وبدء تعديل بعض الهياكل والكيانات السياسية في الجزء الشرقي منه.

وأضاف، لقد صرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن العقوبات المفروضة على روسيا أثرت على من فرضها بدرجة أكبر مما أثرت على روسيا، وأضرت ضررا جسيما بالاقتصاد العالمي، وتسببت في انقطاع سلاسل الإنتاج، وارتفاع أسعار الطاقة، والسلع الغذائية، وانفلات التضخم، وغيرها من التداعيات التي سيتعين على العالم التعامل معها لسنوات مقبلة.

وقال الشاعر،  الأهم من ذلك هو أن روسيا قد أثبتت بالدليل القاطع أنها لن تتهاون مع أي قضايا تهدد أمنها ومصالحها، وستسعى دائما إلى إنهاء هيمنة القطب الواحد على العالم، لأن العالم قد ولج بالفعل إلى حقبة التعددية القطبية، وهناك عدد من مراكز القوى في العالم ظهرت في السنوات الأخيرة، ولم يعد من الممكن تجاهلها، أو تجاهل مصالحها، ولم تعد سياسات الإملاء والضغط والعقوبات تليق أو تحرز أي نتائج سوى الضغط على الشعوب، وإلحاق الضرر بها، والتمييز بين عالم “مستغِل” وعالم “مستغَل” يدفع من عرقه ودمه كي يتمتع المواطن الأمريكي والأوروبي بمستوى حياة أفضل، حتى ولو كان ذلك على حساب حروب وصراعات دموية تملأ منطقتنا في الشرق الأوسط وعلى امتداد العالم الثالث.

وحول تداعيات سياسة التصعيد يعود الشاعر مذكراً  بالشرق الأوسط،  ربط الشاعر  بين مغبة التصعيد في أكرانيا و تداعيات التصعيد الذي حصل في سورية، الذي انعكس توترات محمومة في كامل الشرق الأوسط. مؤكداً أنّ العملية الروسية في سوريا أن أي توتر في الشرق الأوسط يؤدي بالتبعية إلى موجات من الهجرة واللجوء والأزمات في أوروبا، وأن حماية الأمن القومي الروسي، وتحديدا بطن روسيا الرخو في القوقاز، تمتد لتشمل منطقة الشرق الأوسط، القريبة جدا من الحدود الجنوبية لروسيا، وكذلك لأن الأيديولوجية الوهابية المتطرفة وجدت طريقها إلى روسيا انطلاقا من منطقتنا وبتنسيق من الولايات المتحدة الأمريكية تسعينيات القرن الماضي، حينما كانت روسيا منشغلة بعملية الانتقال إلى نظام سياسي واقتصادي جديد، لوضع نهاية للصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب، ووقف مخاطر سباق التسلح النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وإنهاء الحرب الباردة لإحراز انفراج دولي على جميع الأصعدة.  في تلك الآونة اندلع في أماكن مختلفة من البلاد عدد من الحركات الانفصالية والثورات الملونة والانتفاضات مدفوعة الأجر وكذلك انتشرت في القوقاز أوهام الخلافة التي نجحت روسيا في القضاء عليها نهاية القرن الماضي.

واعتبر الشاعر، أن إنشاء روسيا لقاعدة حميميم، وقضائها على جزء كبير من التنظيمات الإرهابية، المدرجة على قوائم الإرهاب، وتحييدها لعدد معتبر من العناصر الإرهابية، القادمة من القوقاز في محاولة لمعاودة إنشاء “الخلافة الإسلامية” في العراق والشام، المتمثلة في تنظيم الدولة الإسلامية، وغيره من التنظيمات الإرهابية، كل ذلك كان جزءا من حفاظ روسيا على أمنها القومي، إلى جانب مساعدة السوريين في الحفاظ على وحدة الدولة السورية وسيادتها على أراضيها.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.