أخبار ||

القمة الخليجية الـ 44 ترد على الخارجية الأمريكية وتدعم فلسطين.

بقلم: الكاتب والدبلوماسي الفلسطيني رامي الشاعر.

أصدرت الخارجية الأمريكية بياناً جاء فيه أنها “لم تشاهد أي دليل على قتل إسرائيل للمدنيين عمداً”، مشيرة إلى أنه “من المبكر إجراء تقييم نهائي لاستجابة إسرائيل لنصيحتها بحماية المدنيين”.

يأتي ذلك بعد تصريحات لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن حذر فيها إسرائيل مما أسماه “هزيمة استراتيجية” إذا لم تعمل على حماية المدنيين في قطاع غزة. وقد كتبت مقالا منذ أيام تناول ما يمكن أن يحمله مثل هذا التصريح من معاني.

ويبدو أن اللوبي الصهيوني في واشنطن قد أساءته تصريحات أوستن، فرفع سماعة الهاتف وأجرى بعض المكالمات إلى أجنحة أخرى في البيت الأبيض، لا سيما إلى الخارجية الأمريكية، التي سارعت لـ “رفض” ما يقوله وزير الدفاع، بدعوى أنها “لم تشاهد”، و “من المبكر”.

إلا أن ألد أعداء إسرائيل في الوقت الراهن لم تعد حركة المقاومة الإسلامية حماس، وإنما أصبحت الحقيقة العارية التي تواجه العالم على منصات مواقع التواصل الاجتماعي: يوتيوب، إنستغرام، إكس، تيك توك، فيسبوك. فعلى هذه المنصات تتوالى مقاطع الفيديو لا لكبريات وسائل الإعلام التي تمتلك مراسلين من قلب الحدث، بكل ما يحملون من كاميرات ووسائل بث، واتصال بالأقمار الصناعية فحسب، بل لمواطنين عاديين يلتقطون صور الجرائم البشعة والوحشية بهواتفهم المحمولة على الهواء مباشرة من قلب الحدث، وهو ما يبدو أصدق بكثير من المقاطع المصورة والمعدلة والمحررة ومنزوعة العنف والدم ودرجة مريعة من الوحشية الإسرائيلية يشهد عليها العالم أجمع.

لكن واشنطن، مع ذلك، “لا تشاهد”، وترى أنه “من المبكر” الحكم، حتى مع اعتراف وزير دفاعها بأن على إسرائيل أن تحمي المدنيين في غزة، وإلا ستواجه “هزيمة استراتيجية”.

لكن الخارجية الأمريكية، ببيروقراطيتها المعهودة توفّر للحلفاء والتابعين، ممن يرغبون أو يجبرون على تصديقها مهما قالت، ذرائع و”رواية رسمية” للتداول، بأن الجيش الإسرائيلي “طالب المدنيين في غزة بالتوجه إلى مراكز الأمم المتحدة المسجلة لدى إسرائيل كمناطق خارج ساحة القتال” (ويتساءل المرء هنا: هل كانت مدارس “الأونروا” المستهدفة داخل ساحات القتال، ولهذا قصفتها إسرائيل، وهل كان 101 موظف في “الأونروا” ممن قضوا نحبهم في الاعتداء على قطاع غزة من “مقاتلي حماس” مثلاً؟)

إن “الأونروا” تستضيف ثلاثة أرباع المليون شخص في أكثر من 150 منشأة بمختلف أنحاء قطاع غزة، ولم يتم إنقاذ مرافق الأمم المتحدة، بما في ذلك تلك التي توفر المأوى للاجئين خلال الحرب في غزة، حيث تعرض ما لا يقل عن 70% من تلك المرافق للقصف، بما في ذلك تلك الواقعة في المناطق الوسطى والجنوبية أسفر وادي غزة.

كما أوضحت الخارجية الأمريكية أن إسرائيل “تصدر طلبات أكثر تحديدا للإخلاء بجنوب قطاع غزة، وهو تحسن مقارنة بإخلاء مدينة بأكملها”، لتستدرك الخارجية بعد ذلك أنها، ومع كل هذا “تتوقع سقوط ضحايا مدنيين نتيجة للعملية العسكرية بغزة”، وهذا “مع الأسف صحيح في جميع الحروب”.

ولم يفت بيان الخارجية الأمريكية أن يوضح التنسيق القائم بين الجيش الإسرائيلي والإدارة الأمريكية، حيث يتابع: “لقد أطلعنا الإسرائيليون على خططهم لتقليل سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين”.

كما أكدت الخارجية الأمريكية عن “عدم استهداف الصحفيين في هذا الصراع”، وهنا أود أن أنقل إلى الإدارة الأمريكية، لربما لم تصلها الأخبار بعد، أن 73 من الصحفيين والعاملين في قطاع الإعلام قد استشهدوا في قطاع غزة، فيما يتواجد 31 صحفيا أسيرا اعتقلتهم سلطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، ومن بين هؤلاء 6 صحفيات، وليس هذا سرا حصلت عليه بوسائل خاصة، وإنما جرائم قتل ارتكبت جهاراً نهاراً وعلانيةً على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي “الديمقراطي الحر”.

إن إسرائيل تكذب كما تتنفس، فيما تتصنع واشنطن أنها تصدق هذه الأكاذيب، وتنشرها بين حلفائها المخلصين كي يجتروها ويعيدوا إنتاجها بوصفها “الرواية الرسمية” التي أصبح من المضحك والمخزي والمشين أن تظهر إلى العلن مع وجود هذا الكم الهائل من مقاطع الفيديو وشهادات العيان على الأرض من المعركة على مواقع التواصل الاجتماعي.

لهذا أصبحت إسرائيل والولايات المتحدة اليوم في مواجهة التواصل الاجتماعي، وفي مواجهة المواطن الأعزل إلا من هاتف محمول ينقل بسلاحه هذا كل لحظة فظائع وجرائم “واحة الديمقراطية إسرائيل”، التي أشبعنا الغرب أساطير عن سلميتها ووداعتها وخوفها من محيطها العربي “الكاره لديمقراطيتها وازدهارها” من باب “الغيرة والحقد”. اليوم تتعرى إسرائيل، وتتعرى واشنطن، وتتعرى بروكسل من ورق التوت الذي كان يستر عورتهم، وتتضح ازدواجيتهم، وإجرامهم، وفلسفتهم الاستعمارية التي لم تختلف كثيراً عما كان المستعمر الأوروبي القديم يرتكبه في القرون الوسطى حتى مطلع القرن العشرين. فقط تختلف الوسائل، وتختلف “الروايات الرسمية”، لكن الجوهر واحد، وهو ما نراه اليوم ونشاهده على شاشاتنا الذكية كل لحظة.

وأتمنى أن تتبنى القمة الخليجية الـ 44 المنعقدة الآن في الدوحة قرارات تاريخية مؤثرة، وموقفاً موحداً تجاه وقف إطلاق النار والاعتداء على شعبنا الفلسطيني.

أختم مقالي بما قالته منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لين هاستينغز، وهي كندية الجنسية تعيش في القدس، ولم تجدد لها السلطات الإسرائيلية تأشيرتها، وأبلغت هيئة الأمم المتحدة بذلك (في تجسد واضح لقيم الديمقراطية والحرية والشفافية!). تقول هاستينغز: “لا مكان آمنا في غزة، ولم يبق ثمة مكان يمكن التوجه إليه. إن ما نشهده اليوم يتمثل في مراكز إيواء بلا إمكانيات، ونظام صحي منهار، وانعدام لمياه الشرب النظيفة، وغياب للصرف الصحي الملائم، وسوء تغذية في أوساط الناس الذين ينهشهم الإنهاك العقلي والجسدي بالأساس، وصيغة موصوفة في المراجع للأوبئة والكوارث الصحية العامة”. وأعربت المسؤولة الأممية عن أسفها لأن “الظروف المطلوبة لإيصال المعونات إلى الناس في غزة لا تتوفر، والسيناريو الأكثر رعباً بكثير يوشك أن تتكشف فصوله، وهو سيناريو لن تملك العمليات الإنسانية القدرة على الاستجابة له، لو قدر له أن يتحقق”، مؤكدة على أن “كميات الإمدادات الإغاثية والوقود التي سمح بإدخالها ليست كافية على الإطلاق، ولا يمكن تسيير العمليات الإنسانية بكميات ضئيلة من الوقود، فهو الأساس الذي ترتكز عليه الخدمات الاجتماعية، بما يشمله ذلك من مستشفيات ومحطات تحلية المياه ومياه الشرب النظيفة والصرف الصحي”.

وختمت هاستينغز حديثها بالقول: “إن الحيز المتاح للاستجابة الإنسانية التي يسمح بتقديمها داخل غزة آخذ في التقلص المستمر”.

أما الخارجية الأمريكية، فإنها ومع كل ما سبق “لا تشاهد دليلاً على قتل إسرائيل للمدنيين عمداً”.

 

 

 

 

 

المقالات الواردة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع، وإنما تعبر عن رأي كاتبها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.