أخبار ||

حول مرجعيات عملية ” كروكوس” الإرهابية.. رامي الشاعر : الدين الإسلامي براء من هذه الجماعات المتطرفة، وللغرب باع طويل في تأسيسها ودعمها.

لايختلف إثنان بإن بروبوغندا ” الجماعات الإرهابية” و منها “داعش” أصبحت معزوفة ممجوجة ومكشوفة من قبل أبسط المشتغلين في الشؤون السياسية المحلية منها والدولية، وأنّ هذه الجماعات ليس سوى شركة مساهمة لتصفية الحسابات بين الدول والجماعات.

لقد شكلت منطقتا الأرض الأوراسي والمنطقة العربية المكان الأكثر معاناةً وانشغالاً بهذه الجماعات؛ فسالت أنهار من الدم في سورية والعراق ومصر واليمن والجزائر وغيرها، كما لعبت أدوارها التدميرية في أزمات المنطقة العربية في العقد الأخير من الزمن، قبل أن تتحول إلى أدوات تضرب في كل بقاع العالم منذ ولادة الجيل الثالث لها المعروف بـ ” داعش” وانتهاءً بالجيل الرابع لهذه الجماعات والمعروف بـ ” جيل الذئاب المنفردة” ” الذي أصبح الأداة الأرخص والأكثر فاعلية في قدرتها على اختراق أقوى الأجهزة الاستخبارية.

وبالعودة إلى تدويل هذه الظاهرة، فلايختلف إثنان أيضاً  بأن تدويل الحرب على الإرهاب، الذي أخذ طابعاً دولياً منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر في غاية مؤداها أولاً تشوية الدين الإسلامي الحنيف الذي يقوم على العمل الصالح والتآخي والتسامح كثقافة متأصلة، قبل أن تتحول هذه الحرب إلى أداة لتصفية الحسابات بحجة محاربة الإرهاب.

وإذ نُذكّر بأن الجذور الفكرية التي اشتغلت على تدويل هذه الجماعات تحت مسمى ” الحرب ضد الإرهاب” بدأت مع إصدار رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو سنة 1996 كتابه الشهير ” استئصال الإرهاب” حيث تحدث الأخير عن أهمية القضاء على ما أسماه ” الخطر الأخضر” أي الإسلام، بعد القضاء على ما أسماه ” الخطر الأحمر” أي الاتحاد السوفياتي. في غاية مؤداها الالتفاف على القضايا المصيرية للشعوب وتشويه ثقافته السياسية والفكرية. وقد تزامنت دعوات نتنياهو مع تصاعد مطالبة الشعب الفلسطيني بحقه في  تقربر المصير والتي أدت إلى الانتفاضة الفلسطينية الأولى المعروفة بـ “انتفاضة أطفال الحجارة”، قبل أن تتحول آلة الجماعات الإرهابية إلى حصان طروادة لتصفية الكثير من القضايا المحلية والدولية العالقة، ولعل اعتراف وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون أمام الكونغرس بدعم هذه الجماعات لتفكيك الاتحاد السوفياتي أمضى دليل على ذلك.

 

في هذا السياق، قال الكاتب والدبلوماسي الفلسطيني رامي الشاعر، أن الضبابية مازالت تسود في تحديد أسماء الضالعين في عملية “كروكوس” الإرهابية.

وأضاف الشاعر في مقالة له على صحيفة ” رأي اليوم “، لم تدهشني أي من التصريحات الغربية التي تؤكد، بكل ثقة ويقين، عدم ضلوع النظام النازي بأوكرانيا في العملية الإرهابية التي ارتكبت في ضواحي موسكو في مركز “كروكوس سيتي هول”، وأسفرت عن مقتل 143 من المدنيين العزل رمياً بالرصاص الحي.

وتابع، كذلك لم يدهشني ما يدعيه الغرب من عدم وجود أي علاقة مباشرة بالأحداث الدائرة بين روسيا وأوكرانيا منذ 2014، وتجنيد أجهزة الاستخبارات الغربية لعناصر أوكرانية، ووضع أوكرانيا بأسرها رهن مخططات الغرب الخبيثة لزعزعة الاستقرار في روسيا، وتقسيم أوكرانيا إلى غرب موالٍ لأوروبا، وشرق وجنوب لا تتم مراعاة مصالحه واستهدافه وقمعه بل وشن عمليات عسكرية ضده، ما أسفر عن انفصال الدونباس والقرم، ورغبة سكان تلك المناطق في الانضمام إلى روسيا، وخسارة أوكرانيا لتلك الأراضي ومن عليها إلى الأبد.

وحول علاقة ماحدث في ” كروكوس” وأكرانيا قال الشاعر، هكذا يدعي الغرب، وكأن روسيا بدأت الغزو دون مبرر، وبلا سبب، ولا علاقة بينه وبين أوكرانيا من قريب أو بعيد. تماماً، وبنفس الكيفية يدعي الغرب أن لا علاقة لأوكرانيا بـ “داعش”، و”خلية خراسان” التي نفذت، فيما تفيد وسائل الإعلام حتى الآن، العملية الإرهابية في “كروكوس”، على الرغم من هروب المنفذين نحو الحدود الغربية الروسية، إلى منطقة كان الجانب الأوكراني سيفتح لهم فيها نافذة ليستقبلوهم استقبال الأبطال (كما كانوا يظنّون، بينما الواقع أنه كان سيتم تصفيتهم جسدياً بمجرد عبورهم الحدود لدفن كل الخيوط المتعلقة بهذه الجريمة، كما جرى تصفية ما قاموا بقتل دبلوماسيي السفارة الروسية في بغداد، ولا أستغرب أن تكون نفس الجهة المنفذة في بغداد هي نفس الجهة الغربية وراء حادث “كروكوس”).

وأكد الشاعر على براءة الدين الإسلامي من هذه الجماعات براءة الذئب من دم يوسف مضيفاً، لقد تم تجنيد هذه المجموعة من اللابشر، ولا أستطيع أن أقول مسلمين متطرفين أو حتى الملحدين، لأن الملحد قد يلتزم بقوانين ونواميس الطبيعة البشرية، فلا يقتل ولا يعيث في الأرض فساداً على هذا النحو الوحشي غير الآدمي. كذلك فلا تنطبق على هؤلاء صفة الإرهابيين، لأن حتى الإرهابيين لهم عقائد وأهداف وخلفيات سياسية يعتقدون فيها، وينفذون أعمالهم تحقيقاً لأهدافها.

وتابع،  لهذا أسمي هؤلاء باللابشر والكائنات المجرمة التي لم ترق حتى إلى أن تنتمي لعالم الحيوان. لا بشر استأجرتهم أجهزة الاستخبارات الغربية التي تعمل الآن على الأراضي الأوكرانية، بعد الفشل الذريع الذي مني به الهجوم الأوكراني المضاد، لينفذوا العملية الإرهابية النكراء على الأراضي الروسية، لإثبات القدرة على الوصول إلى العمق الروسي أولاً، وللطعن في مصداقية وموثوقية واحترافية أجهزة الأمن الروسية ثانياً، ولمحاولة زعزعة استقرار الداخل الروسي وبث الرعب في المواطنين الروس، والشك في قيادتهم ثالثاً، ورابعاً وليس آخراً، دق إسفين في العلاقة بين روسيا ودولة طاجيكستان الواقعة في آسيا الوسطى، خاصة وأن مئات الآلاف من مواطني هذه الدولة يعملون في روسيا.

وأضاف، من أنسب في تنفيذ هذا الغرض ممن يسمّون أنفسهم بـ “المسلمين المجاهدين في سبيل الله” من الإرهابيين المتطرفين من “داعش” و”الدولة الإسلامية”، الذين لا يجرؤون على المساس بأي من المصالح الصهيونية أو الأمريكية بأي ضرر، لكنهم، وبكل أريحية، يهاجمون روسيا التي تقف إلى جانب القضية الفلسطينية وسائر القضايا العربية العادلة في سوريا والعراق وليبيا وغيرها.

وحول علاقة هذه الجماعات بالحرب الهجينة ضد روسيا قال الشاعر، لهذا السبب أعتبر تصريحات الغرب بشأن عدم وجود علاقة بين أوكرانيا والحادث الإرهابي منطقية، لا سيما أن الغرب وأجهزته يعلمون تماماً كيف تم التخطيط لهذه الجريمة النكراء، التي تخدم أهداف الحرب الهجينة التي يخوضها ضد روسيا منذ سنوات، والتي تتلخص في “إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا”، وضرب المصالح الروسية في آسيا الوسطى، وزعزعة استقرار روسيا من الداخل.

وأشار الشاعر إلى عدم وجود أية علاقة بين ثقافة الشعوب الإسلامية وبين هذا الجيل من الإرهابيين، جيل الذئاب المنفردة التي تستخدم قائلاً، في اليوم التالي للحادث الأليم، وفي الطابق العلوي من محل سكني بالعاصمة الروسية موسكو، يتم إصلاح شقة، حيث يقوم بأعمال البناء والإصلاح عدد من العمال الذين تعود أصولهم إلى طاجيكستان، وقد التقيتهم كالعادة من كل صباح بتحية الإسلام: “السلام عليكم”، فكانوا متجهمين، يلفهم القلق والتوتر مما يمكن أن يصيبهم بعد أن قام بعض الأشقياء ممن ينتمون إلى نفس الجنسية بهذا العمل الإرهابي المشين.

وتابع، قلت لهم إن ما حدث لا يمكن أن ينعكس أبداً على علاقة الدولة الروسية أو الشعب الروسي بشعب طاجيكستان الشقيق، فما يربط البلدين أعمق وأقوى بكثير من أن تؤثر فيه حادثة، مهما كانت بشاعتها. دعوت هؤلاء الرفاق إلى تناول إفطار رمضاني في اليوم التالي، وصعدت إليهم وأفطرنا سوياً، واستمعت إلى وجهة نظرهم، وهم مسلمون ملتزمون بتعاليم الإسلام وشعائره، من صلوات وصيام وقيام وغيرها، فقالوا إن من قام بهذه الجريمة الشنعاء لا يمكن أن يمت إلى الإسلام بأدنى صلة، ووصفوهم بـ “الملحدين” قولاً واحداً.

وحول التحقيقات الجارية بشأن عملية “كروكوس سيتي هول” الإرهابية، قال الشاعر، من الأفضل ألا نتعجل الأمور، وننتظر التقرير الرسمي الذي ستعلنه لجنة التحقيق المختصة، لكني أرجح أن الحقيقة ستكون فيما أسلفته بمقدمة مقالي هذا. وما يمكن أن يدعو إلى بعض الدهشة هو ما أظنه من أنني أظن أن من قام بالتخطيط والتنسيق والتمويل لهذا العمل الإرهابي هو جهاز أمني غربي على الأغلب، ويعمل على الأراضي الأوكرانية، وأهدافه متعددة من خلال استخدام العامل الديني، والعرقي، مثلما فعلوا في عدة مناطق في محيط روسيا، مثل ما يحدث في قره باغ، وفي بريدنيستروفيه، ومحاولة تدمير أي محاولة للجلوس إلى طاولة المفاوضات وإنهاء العمليات العسكرية، بعدما أصبح من الواضح استحالة هزيمة روسيا عسكرياً أو اقتصادياً أو إعلامياً.

وأضاف، لهذا لجأ الغرب إلى الإرهاب، كما حدث من قبل، لوضع القيادة الروسية في وضع محرج أمام مجتمعها المتماسك، والذي أدلى بأغلبية ساحقة من أصواته لصالح الرئيس المنتخب ديمقراطياً فلاديمير بوتين، في انتخابات شفافة ونزيهة، فكان لزاماً عليهم أن يشوّهوا هذه الصورة على هذا النحو الإجرامي الإرهابي المعتاد من جانبهم. يريدون أن تتنازل روسيا عن بعض مطالبها العادلة، على الرغم من انتصارها في الحرب، حتى لا تنكشف هزيمة النخب الغربية أمام شعوبها ودافعي الضرائب، الذين موّلوا الهجوم الأوكراني المضاد الفاشل، خاصة وأن أوان الحساب قد آن، وسوف يسائل الناخبون مرشحيهم حول ما فعلوه بثقتهم، وما بددوه من قوتهم ومواردهم من أجل أوهام وفساد ونازية جلبت لأوروبا الخسارة والتدهور في شتى المجالات.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.