أخبار ||

بناء الدستور ومستويات الحكم اللامركزي: الحوكمة، و الحماية القانونية لفكرة عدم تركيز السلطة.

الكاتب: الدكتور محمد خالد الشاكر 

دكتوراه دولة في القانون الدولي- محاضر في جامعة الفرات سابقاً.

مقدمة

يقول مونتيسكيو في كتبه روح  الشرائع ” السلطة جموح، ولا يحد السلطة إلا السلطة”. وإذا كانت هذه المقولة هي الأساس لمبدأ الفصل بين السلطات ، فإن هذا المبدأ ظل لمراحل طويلة من عمر الفقه القانوني فصلاً جامداً، لم يتمكن من كبح جموح و تغوّل السلطة التنفيذية وتدخلها في باقي السلطات، قبل أن تتطور عملية قصر استخدام السلطة من قبل الحكومة لتصبح آلية دستورية، تعمل على تحديد شكل الدولة وشكل النظام السياسي عن طريق اللامركزية، التي تهدف أولاً وأخيراً إلى عدم تركيز السلطة في المركز، وبما يعزز مبدأ سيادة الشعب.
تُعرف اللامركزية بأنها مفهوم واسع يشمل العديد من الأفكار ويرتبط بمجالات مختلفة، فهو يدخل في مجال السياسة والاقتصاد والإدارة، ولكنه في معظم المجالات يتركز على فكرة واحدة تتعلق بنقل أو تفويض جزء كبير من السلطات والمسؤوليات والوظائف من المستوى الوطني ( الحكومة المركزية) إلى  المستوى المحلي1، و تُعتبر اللامركزية – حسب أليكسيس دو توكفيل- مرادفاً للحكم الرشيد، ويعزو إليها نجاح الديمقراطية بسبب وجود حكم محلي ذي صلاحيات كبرى، وهي نتيجة طبيعية من نتائج مبدأ سيادة الشعب2.
كما تُعرف اللامركزية بأنها مصطلح مناطقي تُمنح فيها السلطات والصلاحيات إلى مستويات الأقاليم والمحافظات والمستوى المحلي. وبالتالي فهي توزيع سلطات الحكم وصلاحياته بعيداً عن المركز الوطني إلى مؤسسات أخرى وعلى مستويات أخرى من الحكم أو الإدارة. ومن الناحية السياسية تعتبر اللامركزية الحل الأمثل لمشكلات ما بعد النزاع، إذ يشكل توزيع الصلاحيات مقدمة لتحقيق حكم فعال ومتجاوب، كما يؤمن توسيع نطاق الحصول على الخدمات الحكومية والموارد الاقتصادية، والتشجيع على مشاركة الجمهور في الحكم.  كما تساهم اللامركزية في تشكيل هيكل حكومي تعيش في إطاره المجموعات المتنوعة معاً وبسلام، والسماح للأقاليم المهمشة أو الأقليات بإيجاد موطئ قدم لها داخل النظام، وبالتالي دعم استقرار البلاد عبر إقناعها بالولاء للدولة3.
يشكل تصميم الوحدات الإدارية، التحدي الأكبر لواضعي الدستور، وتعتبر معايير تشكيل الوحدات الفرعية ذات أهمية قصوى، إذ يقوم واضعو الدستور بإنشاء وحدات فرعية، إما على أساس الجدوى الاقتصادية والإدارية، أو على أساس إنشاء وحدات فرعية قائمة على الهوية ( اللامركزية اللامتناظرة).
أولاً- أهمية الظروف الموضوعية والأوضاع الراهنة لكل حالة:
قبل الشروع بتصميم شكل لا مركزي للحكم ،لابد من الأخذ بعين الاعتبار الخطوات الثلاث التالية:

الخطوة الأولى– تحديد المستوى الذي ستتم به اللامركزية: سواء على صعيد الإقليم، أو المحافظة، المدينة، أو الأقضية، وهل هي متناظرة أم غير متناظرة على الصعيد الوطني.

الخطوة الثانية– تحديد من ستؤول إليه المسؤولية : بالنظر إلى التصميم العام لتطبيق اللامركزية، ويعود ذلك إلى كفاءة و قوة الحكومات المحلية.

الخطوة الثالثة- تحديد المهام التي نحتاج إلى جعلها لا مركزية: وفي هذه الحالة لابد من القول بأن تحويل بعض المهام إلى الوحدات الإدارية اللامركزية، يختلف باختلاف مستوى اللامركزية المطلوب. هل هي لامركزية تفويضية- وظيفية من أجل مهام محددة يتم نقلها لوحدات متخصصة في أداء تلك الوظيفة؟. أم هي لامركزية إدارية؟، أم لامركزية سياسية؟. ومن ثم تحديد منطقة اللامركزية، التي تهدف في المقام الأول إلى نقل مسؤولية المهام العامة إلى وحدات داخل حدود محلية، أو جغرافية، أو سياسية محددة بشكل جيد4.

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنّ هناك تبايناً في تطبيق اللامركزية بين الدول التي عانت من الصراع، فقد نجحت بعضها في تطبيقها، بينما فشلت أخرى فشلاً زاد من حدة الصراع واستمراره. وفي هذه الحالة، تتوقف العملية على قدرة المختصين في تصميم اللامركزية. وبذلك يعتبر تحديد الشكل والتصميم المناسبين للامركزية من أصعب مهام واضعي الدساتير. وفي هذه الحالة لا يعتمد نجاح اللامركزية في غالب الأحيان، على معطيات الصراع وأطرافه، بل يصبح من مهام المشاركين ومدى وطنيتهم والتزامهم ببناء الدولة بعيداً عن التجاذبات السياسية الحادة. وهنا ينبغي التمييز بين اللامركزية كشكل من أشكال نقل السلطة إلى الحكومات المحلية، التي تضطلع بتقديم الخدمات بما يؤمن إعادة التوازن للمجتمع وحل الصراع، وبين اللامركزية التي تنطوي على محاولة زج الصلاحيات الممنوحة للامركزية في أتون التحكم بالسلطة والاستئثار بموارد البلاد وموازنتها5. وفي هذه الحالة ينبغي تحييد الثقافة السياسية السائدة التي خلفها الصراع، عبر تنحية فكرة تقاسم السلطة، التي قد تؤدي إلى استحضار القوى السياسية إلى السلطة لتتقاسمها بسبب منكسات الصراع وتبعاته، و ولاءات كل طرف للدولة الداعمة له خلال الصراع، الأمر الذي يُحول اللامركزية إلى نوع من تقاسم الخسائر بين السلطة المركزية والأطراف، بما يعزز حالة الانقسام، الذي سيؤدي إلى تعزيز مواقع القوى المتورطة في الصراع، ويحول دون أي توافق فعلي مستقبلي، كما يحول دون إصلاح المؤسسات، التي ستعيق تحقيق العدالة الانتقالية، ما يعني صناعة دولة فاشلة، قد تسير من جديد في صراعات جديدة، أو في صراع مجتمعي على أقل تقدير.
وعليه، لا يمكن القول أن بقاء اللامركزية و استمراريتها و نجاعتها مقتصر على هيكل وعمق توزيع الصلاحيات فحسب، بل على وجود حماية قانونية ثنائية التأثير، سواء على صعيد إلغاء المركز لهذه الصلاحيات من جانب واحد، أو سواء على صعيد استئثار القوى المحلية في صلاحيات الوحدة الإدارية المحلية، بما يضعف قوة المركز، وبالتالي إضعافاً للمؤسسات الرئيسية ووحدة البلاد.
وعلى هذا الأساس ثمة أسئلة كثيرة تُطرح فيما يتعلق بتحديد جدوى اللامركزية، أو عمقها، أو جوهرها، بما يعزز الاستفادة منها في تجاوز الصراع وصناعة السلام والديمقراطية واستدامتهما. وفي هذا الخصوص تثور الأسئلة التالية:

كيف يمكننا أن نحقق الحوكمة في المستويات الأدنى؟.

ما هي الوظائف الإدارية والسياسية والمالية، التي ينبغي أن ينزع واضعو الدستور مركزيتها، وإلى أي مستوى من مستويات الحكم؟.

هل يتعين على واضعي الدستور تحويل الصلاحيات بالتساوي بين أقاليم الدولة، أم على نحو غير متناظر بناء على الظروف العيانية ( كثافة السكان، الأقليات .. الخ)؟.

للإجابة على هذه الأسئلة، لابد لنا من معرفة أنواع اللامركزية، والغوص في جوهرها وأبعادها.
ثانياً- أنواع اللامركزية:  تختلف أنواع اللامركزية من حيث توزيع الصلاحيات، ومستويات الحكم حسب الأنظمة، وحسب كل حالة عيانية على حدة. ويمكن تحديد ثلاث أنواع من اللامركزية وهي:

  • اللامركزية الإدارية: يُطلق مصطلح اللامركزية الإداريّة على ذلك الأسلوب الإداري الذي يقتضي تشتيت وتوزيع الوظائف الإداريّة بين مختلف مستويات الهرم الإداريّة للحكومة المركزيّة، ويكون ذلك وفقاً للأساس الإقليميّ الجغرافيّ، مع ضرورة خضوع الإدارات المتفرّقة لجهة رقابية وطنيّة، وذلك لغايات منها الحفاظ على وحدة الدولة من النواحي السياسيّة، والإداريّة، والدستوريّة.

يمكن تعريف اللامركزية الإدارية بأنّها درجة إدارية تتطلّب عدم تمركز السلطة بيد جهة معيّنة، وإنّما تشتيتها وتوزيعها بين عدد من المستويات الإدارية والشخصيّات المعنويّة سواء كان ذلك على مستوى المنشأة أو الدولة. ويخول الاستقلال الإداري السلطات المحلية باتخاذ قرارات ذات صفة إدارية وتنموية في مجالات يحددها القانون، على أن تكون هذه القرارات نافذة ضمن نطاقها الجغرافي – الإداري، دونما رجوع إلى السلطة المركزية. أما الاستقلال المالي فإنه يمنح السلطات المحلية القدرة على تطبيق قراراتها الإدارية عمليًا ضمن حدودها الجغرافية – الإدارية، بما يقتضيه ذلك من ذمة مالية وموازنة مستقلة، ونظام محاسبة مستقل، وأنظمة مالية خاصة بها، تمكنها من تحصيل العائدات المالية التي يحددها القانون.
على أن استقلال السلطات المحلية اللامركزية يبقى استقلالاً نسبيًا في جميع الأنظمة اللامركزية، فهي جزء لا يتجزأ من الدولة، ترتبط عضويًا بالسلطة المركزية وتخضع لسلّم القوانين والنظم الوطنية التي تعلوها وتشكل إطارًا حاضنًا لها. وهكذا تحتفظ السلطة المركزية بحق الرقابة على عدد من قرارات السلطات المحلية اللامركزية التي يحددها القانون، ضماناً لانسجام المصلحتين الوطنية والمحلية. وذلك عندما تنقل الحكومة المركزية مسؤولية تطبيق سياسة ما إلى مستويات أدنى، مع بقاء المسؤولية والصلاحيات في يد الحكومة المركزية، وهي بذلك لا تنقل كامل صلاحياتها إلى مستويات أدنى من الحكم6. فعلى سبيل المثال يعد إنشاء المدارس قضية وطنية تخضع للقانون الوطني وتنفذ على المستوى الوطني. وعلى النقيض من ذلك قد تخصص الحكومة المركزية مسؤولية إدارة السياسة التعليمية وتطبيقها للوحدات الفرعية بشكل كلي، مع فرض الالتزام بالتوجيهات الرسمية. فالمدارس الوطنية تعتبر مؤسسات وطنية تخضع للقوانين الوطنية، بيد أنّ التنفيذ يقع على عاتق الوحدات الفرعية بإشراف عام من وزارة التربية.

  • اللامركزية السياسية : ويعتبر هذا النوع بمثابة مُمارسة قانونيّة تستوجب ضرورة توزيع الوظائف الحكوميّة بمختلف أطيافها التشريعيّة، والتنفيذيّة، والقضائيّة بين كافّة مستويات الحكومة التي تسيطر على بلد ما، ويعتبر الاتحاد الفدرالي نتاج إتباع هذا النوع من اللامركزية.

و في اللامركزية السياسية، تساهم الكيانات المحلية بوضع نظام الحكم المشترك، عن طريق السماح لها بالمشاركة في الحكم الوطني، سواء عن طريق غرفة تشريعية ثانية، أو عبر إعداد قائمة ” بالصلاحيات المتزامنة”، التي تسمح لعدة مستويات من الحكم بتنظيم مجال محدد معاً.
وتشير أدبيات اللامركزية إلى أنّ نقل المسؤوليات من مستوى الحكم الوطني إلى المحلي يحسن الخدمات المقدمة كما يعزز المساءلة. إلا أنه ينبغي توخي الحيطة والحذر عند صياغة شكل اللامركزية، لتجنب الآثار العكسية لها. فقد يؤدي ضعف الهياكل المحلية والافتقار إلى الموارد البشرية الماهرة والخبيرة إلى إنتاج حكم محلي فاسد وغير كفء؛ بينما قد تؤدي اللامركزية على أساس الهوية، وحتى اللامركزية السياسية سيئة التصميم، وسيئة العلاقة مع المركز إلى الدفع لتحقيق غاية الحركات الانفصالية7.

  • اللامركزية الإدارية الموسعة: وهي مصطلح سياسي لا يستند إلى أي مفهوم إداري وقانوني، بقدر ما هو مصطلح سياسي بامتياز، ولد كعبارة غير واضحة في ” وثيقة الوفاق الوطني اللبناني عام 1989، وظل هذا المصطلح مجرد عبارة يستحيل فهمها وبلورتها لدى اللبنانيين أنفسهم حتى يومنا، إلا أنها ظلت تتردد على ألسنة السياسيين اللبنانيين قبل أن يتم تكرارها من جديد في الصراع السوري. فإذا كان ثمة ما يشبه التوافق على مدلول “اللامركزية الإدارية”، فإن نعتها  “بـ”الموسّعة” يبقى غامضاً ومفتوحاً أمام كل التأويلات والهواجس والرهانات، التي يفضلها السياسيون لكسب نقاط سياسية لا وطنية.

فعلى سبيل المثال ظلّ مفهوم “اللامركزية الإدارية”، في أذهان صانعي القرار في لبنان، نقيضاً لمعناها القانوني وبعده الوطني، ونقيضاً للامركزية السياسية والفدرالية و المناطقية، وما إلى ذلك من مشاريع و وشعارات برزت خلال الحرب الأهلية. ولما كان ثمة فريق يرفض هذه الفكرة رفضاً جذرياً، وآخر ارتضى التنازل عنها في مؤتمر الطائف عام 1989، فقد انتقل الصراع السياسي والأيديولوجي إلى البرلمان، مفصحاً عن ذاته في نعوت إضافية، ما استدعى ابتكار عبارة “توافقية” تجمع بين الاتجاهين الرئيسيين آنذاك، فكانت عبارة “اللامركزية الإدارية الموسّعة”، التي وإن كانت تفتقر إلى تعريف قانوني واضح، إلا إنها تتيح للمشرع اعتبارها تعزيزاً لقدرة السلطات المحلية اللامركزية على إدارة شؤونها والتخفيف من وطأة الرقابتين الإدارية والمالية.

فعلى صعيد اللامركزية الإدارية: الثابت فقهاً وقانوناً، أنّ اللامركزية في سياقها السليم تشكل نوعاً من الممارسة الديمقراطية، وحالة لتحقيق فكرة الإنماء المتوازن بين المركز والأطراف، إذ يشكل تهميش المركز للمحيط من أهم أسباب تأجيج الصراعات، فالمتتبع للحدث السوري يلاحظ أن الاحتجاجات في سورية، كانت تتركز في الأرياف وفي المناطق المهمشة والعشوائيات في أطراف المدن. ولهذا كله، تطمح اللامركزية إلى إعادة التوازن بين المركز والأطراف، من أجل تشكيل هيكل حكم تعيش فيه المجموعات المتنوعة بأمان وسلام، والسماح للجهات المعنية الممثلة لأقليات أو أقاليم مهمشة بإيجاد موطئ قدم لها داخل النظام العام، وبالتالي دعم استقرار البلاد والولاء للدولة.

أما على صعيد اللامركزية المالية: فلا بد لواضعي الدستور من تحديد درجة الاستقلال المالي، فبدون موارد مالية كافية سيتعذر على السلطات المحلية أو الإقليمية القيام بمهامها، وقد يقوض اللامركزية السياسية منه أو الإدارية. ويفترض في حالة اللامركزية المالية تعيين مسؤولية الإنفاق ( أي السداد)، ومسؤولية زيادة الإيرادات ( أي فرض الضرائب)، ومسؤولية تحقيق التوازن بين الإيرادات والإنفاق. وعلى هذا الأساس، ولتحقيق لامركزية فعالة تتوازى مع اللامركزية الإدارية والسياسية السليمة، يتعين على واضعي الدستور الإجابة على السؤال التالي: هل ينبغي منح صلاحية الإنفاق والضرائب إلى الحكومات الإقليمية أو المحلية؟. للإجابة على ذلك،لابد من تحقيق الأولويات التالية:

ينبغي أن تكون الإيرادات المخصصة للحكومات الإقليمية أو المحلية، كافية لتمويل الخدمات المقدمة محلياً، والتي تصب في صالح المواطنين.

يتعين على الحكومة المحلية جمع الإيرادات المحلية من السكان المحليين المستفيدين من الخدمات المحلية. و تأمين رابط قوي بين الضرائب المدفوعة والمزايا التي يتم تلقيها، بما يعزز مساءلة المسؤولين المحليين، وبالتالي تقديم الخدمات الحكومية أيضاً.

ثالثاً- اللامركزية ومستويات نقل الصلاحيات : بشكل عام هناك ثلاث مستويات بارزة من الحكم / الإدارة وهي: المستوى الوطني، ومستوى الأقاليم ( المحافظات أو الولايات)، والمستوى المحلي. وقد تختلف حسب كل دولة وكل حاله. على سبيل المثال، في السودان أوجد الدستور المؤقت مستوى إضافي من الحكم فريداً من نوعه، يتمتع بالصلاحية فيه جنوب السودان فقط، وقد طالب الثوار في محادثات السلام التي أفضت إلى دستور السودان المؤقت بهذا المستوى، بهدف إيجاد إقليم مشترك لشعب السودان بعد عقود من الحرب. وفي بلدان أخرى، أدرج واضعو الدساتير مستوى إضافياً آخراً من الإدارة في الوحدات الفرعية المناطقية الأكبر. ففي سويسرا مثلاً يوجد في المقاطعات أقضية كوحدات إدارية لتطبيق سياسات المقاطعات، بينما لا تحتاج المقاطعات الأصغر إلى هذه الوحدات لإدارة شؤونها، وبالتالي لا يوجد فيها أقضية إدارية. ونظراً لأن دستور كل مقاطعة ينظم هيكلها الإداري أو الحكومي، لا ينص الدستور السويسري على إنشاء مستويات إدارية.
وتتضمن اللامركزية مستويين من نقل الصلاحيات:

المستوى الأول- و يقوم على نقل صلاحيات اختيار المسؤولين المحليين وتعينهم من الحكومة المركزية إلى الحكومة المحلية: وهذه تسمى اللامركزية الانتخابية، التي تتيح للناخبين اختيار ممثليهم في الوحدات الفرعية، دون أن تتحقق قدرة المواطنين في التأثير بالسياسات المركزية إلا بدرجة محدودة، إذ ظلت مسؤولية وضع السياسيات بيد السلطة المركزية. على سبيل المثال: ينتخب السويسريون رؤساء الأقضية، لكن صلاحيات هؤلاء تشمل فقط التوجيهات الإدارية الواردة في من المقاطعات. وبالتالي يمكن اعتبار رؤساء الأقضية مسؤولين فقط عن التطبيق، وليس عن السياسات الجوهرية التي تضعها المقاطعات.

المستوى الثاني- نقل سلطة الحكم إلى مستوى الأقاليم أو المستوى المحلي: وهذا يستدعي – علاوة على السماح للناخبين باختيار ممثليهم- وجود ممارسة وترتيب هيكلي يتيحان للمستوى المحلي صياغة المهام المنقولة إليه من المركز ومراقبته وتقييمه، عبر هيئات تشريعية قادرة على سن القوانين أو ما يشبه ذلك، ليمتد اختصاص الوحدة الفرعية ليشمل تصميم وتفصيل قضايا السياسات المحولة إليها من الحكومة الوطنية.

رابعاً- الآثار السلبية و الإيجابية للامركزية: بناء الدستور أو إصلاحه فيصلاً.
لابد من القول أن الفيصل بين سلبيات اللامركزية وإيجابياتها هو الحكم الرشيد والشفاف، الذي يتسق مع دستور يوضح بدقة علاقة المؤسسات فيما بينها في إطار مبدأ الفصل الوظيفي بين السلطات، كما الاتساق مع المبادئ العامة التي يتضمنها الدستور كتلك المتعلقة باستقلالية القضاء، ومبدأ تكافؤ الفرض، والشفافية والنزاهة في التعين والانتخاب، في إطار دولة قانونية تقوم على مبدأ المواطنة، وإلا فإن اللامركزية ستشكل مقدمة – لاسيما في مراحل النزاع و ما بعده- لاستئثار النخب السياسية باقتسام الغنائم السياسية على حساب الحالة الوطنية.

إيجابيات اللامركزية: ويمكن تعداد أهمها في النقاط التالية:

  • الحد من الاستبداد: لعل ذلك من أهم إيجابيات اللامركزية على الصعيد السياسي، إذ تتطلب بعض نماذج اللامركزية مشاركة السلطة، وذلك بتوزيعها بشكل رأسي. وتبدو أهمية هذه الإيجابية أكثر في حالة التوترات والنزاعات، عندما تسمح لمجموعات الصراع من التمتع بتقاسم السلطة في مناطقها الخاصة، وتسمح لزعمائها السياسيين بشغل منصب قيادي معترف به رسمياً على مستوى الأقاليم.
  • تلبية حاجات المجتمعات المحلية: وذلك عندما يتم تبني منهجيات إيجابية وفاعلة على صعيد الحكم ووضع السياسات. إذ تعزز اللامركزية التنافس والإبداع السياسي عن طريق إنشاء قنوات وموارد بديلة للسلطة الحاكمة.
  • حوكمة تعقيدات هياكل الحكم: إذ تضطلع اللامركزية بعبء توزيع الحكم وعدم احتكاره في المركز، وذلك عبر توزيع الصلاحيات المناسبة على حكومات الأقاليم أو الحكومات المحلية.

سلبيات اللامركزية: يمكن القول أن من أهم سلبيات اللامركزية هو عدم فهم اللامركزية أو عدم تطبيقها أو حوكمتها، ولهذا تتبدى المشكلات التالية:

  • التقسيم بسبب إساءة استعمال السلطة بعيداً عن المركز: قد تؤدي الإدارة السيئة للامركزية إلى إساءة استعمال السلطة. فقد يقوم أصحاب المصالح من ذوي النفوذ في الإدارات المحلية إلى استخدام المجتمع أو الحكومة المحلية لتحقيق مصالحهم الخاصة؛ وقد يعزز ذلك قيام السياسيين والنخب المحلية للمطالبة أكثر بالمزيد من الاستقلالية، الأمر الذي يهدد الدولة بالتقسيم.
  • عدم الفعالية بما يتسق وفعالية المركز: بسبب العجز في الموارد البشرية أو المالية، وقد تكون هذه الإدارات المحلية أصغر من أن تفي بالتزاماتها على ما يحب. وأمام ذلك قد يتفشى الفساد ويصعب استئصال جذوره، لاسيما في مجتمعات الحكومات المحلية الصغيرة، التي تفتقر إلى آليات المحاسبة بسبب تداخلها مجتمعياً، أو بسبب النقص في الكفاءات الإدارية.
  • التنافس السلبي بين الأقاليم على حساب السياسية العامة للدولة: فقد تؤدي الممارسة السلبية للامركزية إلى حدوث تنافس سلبي بين الأقاليم ، ينعكس أول ما ينعكس على السياسة العامة للدولة واستقلالها. فاختلاف الموارد الطبيعية والصناعات وفرص العمل بين إقليم وآخر، قد يؤدي بشكل تدريجي إلى إضعاف القوانين واللوائح أو البحث عن ثغرات فيها لاستقطاب الاستثمارات ورؤوس الأموال، الأمر الذي يجر معه نوع من التنافس السلبي بين الأقاليم ينعكس بشكل عام على سيادة الدولة و سياساتها العامة.
  • مضاعفة العمل والتكاليف والسياسيات المتناقضة: عند غياب الحوكمة أو الحكم الرشيد قد تؤدي اللامركزية إلى تضاعف المهام الحكومية، مما يؤدي إلى سياسات غير فعالة أو متداخلة أو متناقضة في مختلف أرجاء البلاد. وتزداد تكاليف الدولة في اللامركزية أكثر بسبب زيادة عدد المسؤولين المنتخبين أو المأجورين في مختلف مستويات الحكم.

خامساً – عمق اللامركزية، والصلاحيات المنقولة إلى مستويات الحكم8.
يحتاج واضعو الدساتير إلى تصميم سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية، وتوزيع المسؤوليات المناسبة على المهمة المعينة، وتحديد مدى صلاحيتها وقربها من سن القوانين ( الوظيفة التشريعية)، أو تطبيق القوانين وتنفيذها ( الوظيفة التنفيذية)، أو تفسير القوانين وفرضها( الوظيفة القضائية)، وهذا يحتاج من واضعي الدستور  في إطار مهمة عدم تركيز السلة في المركز،  الأخذ بالآليات القانونية الكفيلة بحماية اللمركزية وذلك بتوزيع الصلاحيات بين المؤسسات الرئيسية ( التشريعية والتنفيذية والقضائية)، من خلال ضبط الآليات التالية:

  • نزع مركزية الصلاحيات التشريعية: وهنا يثور السؤال الأهم: أي من مستويات الحكم ينبغي أن يسن القوانين المعنية بمهام محددة كالخدمات العامة، وهل ينبغي أن تكون تلك السلطة حصرية أم مشتركة بين مختلف مستويات الحكم؟. فقد ينص الدستور – عقب نزاع عنيف- على منح سلطات تشريعية حصرياً إما إلى المستويات الوطنية أو المحلية، و تهميش إقليم معين، الأمر الذي يصطدم بتحديين: أحدهما معارضة باقي الوحدات. وثانيهما حدوث تداخل في بعض الاختصاصات في عدة مجالات تنظيمية. وقد لجأت بعض الدساتير للحيلولة دون ذلك إلى المرونة خلال توزيع الصلاحيات التشريعية على نحو متزامن بين الحكومة الوطنية والأقاليم، مع الإشارة إلى تحديد أي من اللوائح تسود. لذلك غالباً ما يمنح الدستور الأولوية للمجلس التشريعي الوطني، بما يصب في الصالح الوطني ( ألمانيا)، وإلى الحد الذي يجعل الظروف المعيشية متساوية على كامل الأراضي الفيدرالية. بينما أدخلت بعض الدساتير استثناءً واحداً على السيادة الوطنية، حين رجحت القوانين المحلية في معرض قوانين بعينها مثل المعاشات التقاعدية ( كندا)، بينما تنص بعض الدساتير على التزامن بين القوانين الوطنية والمحلية.
  • نزع مركزية وظائف السلطة التنفيذية: يتفق الخبراء بوجه عام على أنه لضمان تقديم الخدمات العامة بطريقة فعالة ومجدية اقتصادياً، أن يقوم واضعو الدستور بمنح صلاحية تقديم الخدمات إلى مستوى الحكم الأكثر تمثيلاً للمستفيدين منها، و للأكثر مساءلة من قبلهم ( مبدأ تخصيص الصلاحيات)، وهذا يعزز مبدأ الشفافية والمساءلة، لأن المواطنين يستطيعون التعرف بسهولة أكبر على من ينفق أموالهم، وكيفية إنفاقها.
  • توزيع الصلاحيات القضائية: يتوجب على واضعي الدستور أن يضعوا نصب أعينهم نوع المحاكم الذي سيضمن استخدام وسيلة فعالة وشفافة للفصل في المنازعات، بمقتضى مجموعة قوانين؟. وفي هذا الخصوص سنتطرق للنموذجين المتعارف عليهما عالمياً:

النموذج المنفصل أو الثنائي  (الولايات المتحدة الأمريكية)، يحظى كل من المستوى الوطني ومستوى الولايات بنظام محاكم خاص من ثلاث درجات ( المحاكم المحلية، محاكم الاستئناف المناطقية، والمحكمة العليا)، فلا تطبق المحاكم في الولايات سوى قوانين الولاية، أما القانون الوطني فتطبقه المحاكم الوطنية المنتشرة في جميع أنحاء البلاد.

– وعلى هذا الأساس تطبق القانون الوطني فقط كل من المحكمة العليا الوطنية، محاكم الاستئناف المناطقية، المحاكم الوطنية المنتشرة في البلاد.
– وتُطبق على مستوى الولاية كل من المحكمة العليا للولاية- محكمة استئناف الولاية- المحاكم المحلية، وحسب هذا النظام تقوم الولايات بتمويل هذه المحاكم وتديرها. بينما يمول المستوى الوطني المحاكم الوطنية ويديرها.
ب- النموذج المتكامل ( المدمج): حيث تُدمج المحاكم الوطنية والمحاكم الداخلية في نظام واحد، وتُخوَّل المحاكم بصلاحيات النظر في قضايا الولايات والقضايا الوطنية على حد سواء، ويُخوَّل القضاة باستخدام القوانين الوطنية والداخلية. حيث تختص المحكمة العليا الوطنية بالنظر في قضايا تندرج تحت القانون الوطني وحسب، أما المحكمة العليا في الولاية فهي ” محكمة النهاية” لتطبيق قانون الولاية ( ألمانيا)، ويمكن في بعض الدول الطعن بقضايا القانون الوطني وقانون الولايات أمام المحكمة العليا ( الهند).

وعلى هذا الأساس يتم تمويل المحكمة العليا الوطنية وإدارتها على الصعيد الوطني. أما على صعيد الولاية، فإنها تتضمن محكمة درجة أولى في قضايا قانون الولاية، و محكمة درجة ثانية أو ثالثة في قضايا القانون الفيدرالي. أما على المستوى المحلي، فعادة ما تكون هناك محاكم من الدرجة الأولى تبت في قضايا تتعامل مع القانون الفيدرالي والقانون الداخلي.

سادساً- مفهوم اللامركزية في إطار الفيدرالية: وهنا تثور خطورة التفريق بين اللامركزية والفيدرالية في إطار ضبط وتحديد الحماية القانونية بين المركز ومستويات الحكم الأدنى.

ضبط الحماية القانونية للتفريق بين اللامركزية والفيدرالية: تعد عملية اللامركزية تثور إشكالية ضبط الحماية القانونية، وهي المهمة التي يضطلع بها واضعو الدستور، بما يؤمن عدم قدرة المركز على إلغاء صلاحيات اللامركزية من جانب واحد، دون الإخلال بمبدأ قوة المركز التي تؤمن وحدة البلاد. وفي هذه الحالة تصبح هذه المهمة من أهم مهام واضعي الدستور، وذلك بضبط الصلاحيات وتوزيعها بين المؤسسات الدستورية، وضبط آليات تصميم السلطات الثلاث والفصل بينها، وتمييزها عن الفيدرالية التي تتميز بخاصية الحماية القانونية التي لا يمكن للمركز تعديله، أي أنها تتميز بحماية قانونية صريحة  للوحدات الفرعية، وفي إطار قانوني ليس في وسع المركز تعديله بسهوله على حساب الوحدات الفرعية، يساندها في ذلك هيكل دستوري يحدد العلاقة بين مستويات الحكم، بما يحول دون أية مساومة دستورية ضد التغيرات التي قد يجريها المركز.

اللامركزية كشكل من أشكل نقل القرار الإداري، والفيدرالية كشكل من أشكل نقل الحكم: تقوم اللامركزية على عملية تقوم على نقل اتخاذ القرار والإدارة من المركز إلى مستويات حكومية أقل تتبع في نظامها للحكومة المركزية9، بينما تبدو الفيدرالية أو الاتحادية شكل من أشكال الحكم، تكون السلطات فيه مقسمة دستورياً بين ” حكومة مركزية أو حكومة فيدرالية أو اتحادية”  و ” وحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر، و تتقاسمان السيادة في الدولة، بحيث تعتبر المستويات الأدنى وحدات دستورية، لكل منها نظامها الأساسي، الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم أو الجهات أو الولايات، منصوصاً عليه في دستور الدولة، بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية.

إنّ الحكم الفدرالي واسع الانتشار عالمياً، وأقرب الدول لتطبيق هذا النظام الفدرالي على المستوى العربي هي دولة الإمارات العربية المتحدة والعراق، أما على المستوى العالمي فهي الولايات المتحدة الأمريكية. وتنشأ الفيدرالية من وجود وثيقة بين عدة دول ترتبط  ببعضها محلياً وتاريخياً وعرقياً أو ما شابه، يجعلها قادرة على أن تحمل- في نظر سكانها- هوية وطنية مشتركة. والشرط الثاني هو “الرغبة الوطنية في الوحدة الوطنية والتصميم على المحافظة على استقلال كل دولة في الإتحاد”.
ومن الملامح الأساسية للفدرالية توزيع السلطات، والنتيجة الرئيسية لتقسيم السلطات تتمثل في عدم قدرة أي من الحكومتين (المركز- الأقاليم) على ممارسة نفس القدر من السلطة، التي كانت ستمارسها في ظل دولة موحدة غير فدرالية. فالدستور في النظام الفدرالي هو السلطة العليا التي تستقي منها الدولة سلطاتها، ومن الضروري وجود قضاء مستقل لإبطال أي قانون لا يتماشى مع الدستور. وينبغي أن يكون الدستور صارماً وغير “فضفاض، ويجب أن تكون القوانين الواردة في الدستور المذكور غير قابلة للتغيير، إلا من قبل سلطة أعلى أو هيئات تشريعية.
وعلى هذا الأساس تتميز الدولة الفيدرالية عن اللامركزية بخمسة عناصر هي:

  • يتمتع اثنان من مستويات الحكم على الأقل بالسيادة على الأرض والشعب.
  • تمتلك كل من ” الحكومة المركزية على الصعيد الوطني” و ” الحكومة الإقليمية على مستوى الوحدات الفرعية، مجموعة صلاحيات حصرية بشكل متبادل ( الحكم الذاتي)، قد تضم قدراً من الاستقلالية التشريعية والتنفيذية والمالية.
  • الفيدرالية هي عبارة عن وثيقة قانونية تنص على عدم أحقية أي مستوى بتعديل مسؤوليات وصلاحيات أي مستوى آخر من مستويات الحكم من جانب واحد.
  • تضم المؤسسات الوطنية لصنع القرار ممثلين عن الوحدات الفرعية قد يشغلون مقاعد في الغرفة الثانية للمجلس التشريعي الوطني ( الحكم المشترك)، تلبية لمشاركتهم الفعلية في تعديل الدستور.
  • ينص الدستور على آلية للتحكيم ( سواء أكانت المحكمة الدستورية أو الاستفتاء الشعبي) تفض النزاعات بين المركز الفيدرالي والوحدات الفرعية.

وعلى هذا الأساس تفترض الفيدرالية، أنه لا يحق لمستوى واحد من مستويات الحكم، أن يقوم من جانب واحد بإلغاء التوزيع القائم للصلاحيات، والتي تضم الاختصاصات الحصرية على المستوى المحلي. أو بالأدق يستلزم أي تغيير في الصلاحيات بين مستويات الحكم موافقة جميع المستويات المعنية بالأمر.

 خاتمة
بناء على ما تقدم، يمكن القول: إنّ العبرة الأساسية من تطبيق اللامركزية ونجاحها، تعود لفكرة  “عمق اللامركزية”- فمصطلحات مثل ” دولة فيدرالية مركزية” أو ” دولة وحدوية لامركزية”، لا تحمل أي تناقضاً ذاتياً، بل تشير إلى العمق الفعلي للامركزية، أو طبيعة الضمانات القانونية التي تحمي العلاقات بين الحكومات.
ينبغي على واضعو الدستور أن يحددوا مدى الجدوى السياسية والاقتصادية للامركزية، بالنظر إلى إنشاء الإدارات المحلية سواء على أساس الجدوى الاقتصادية والإدارية أو كفاءة كل وحدة أو هويتها. وقد لا يتحقق الاختيار القائم  على مزايا كل خيار، لأن إقرار الدستور قد يستند إلى نجاح معاهدة سلام تستلزم اللامركزية في أماكن على أساس الهوية ( كما حصل في البوسنة والهرسك والسودان). وقد يؤدي اعتماد الهوية إلى المطالبة بامتيازات تعزز هويتها الخاصة ( كتالونيا)، وقد تؤدي أيضاً إلى إيجاد أقليات جديدة بصورة تؤجج للصراع.
كما ينبغي على واضعي الدستور أيضاً أن يتنبهوا إلى مسالة غاية في الأهمية، حيث يتضمن الدستور خياراً يسمح بتعديل الحدود الداخلية بعد التصديق عليه. كما يضعوا في اعتبارهم أهمية عمق اللامركزية أو جوهرها، وذلك بتحديد الصلاحيات الفعلية المنقولة من المركز إلى مستويات الحكم الأدنى، والحرص على تحديد الوظائف الإدارية والسياسية والمالية، التي ينبغي مركزيتها وإلى أي مستوى من مستويات الحكم. والبحث في مستوى الصلاحيات الممنوحة بين كل إقليم، وهل سيكون ذلك بالتساوي أم لا، وحسب الظروف الخاصة بكل حالة ( كثافة سكانية، أقليات..)، وهل تعمل الوحدات الفرعية كوكلاء إداريين وحسب، أما أنها تمارس مهامها في إطار عدم تركيز السلطة والاستئثار بها، تطبيقاً لمبدأ سيادة الشعب كغاية أخيرة تبحث عنها اللامركزية.

الهوامش:___________

انظر: محمد بكر حسين، الاتحاد الفيدرالي بين النظرية والتطبيق، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة عين شمس، 1977، ص121 ومابعدها.

الكسيس توكفيل، الديمقراطية في أمريكا، ترجمة أمين مرسي منصور، القاهرة، عالم الكتب، بدون ت ن، ص 40 ومابعدها

عمليات بناء الدستور، دليل عملي لبناء الدساتير، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات IDE، 2011، ص 4.

Rondinelli, D. A., “Government Decentralization in Comparative Perspective: Theory and Practice in Developing Countries” International,1981,p137

Enrique Guillén López،JUDICIAL REVIEW IN SPAIN: THE CONSTITUTIONA COURT 41 Loyola of Los Angeles Law Review 541, 544 (2008

د. أندره سليمان ، مجلة المفكرة القانونية، بيروت العدد 15/ تاريخ ، 2014-04-08

عمليات بناء الدساتير، المرجع السابق، ص 4.

للاستفاضة انظر، عمليات بناء الدساتير،نماذج الحكم اللامركزي، مرجع سابق، ص 26 ومابعدها.

Smith, B. c., ( “Decentralization: The Territorial Dimension of the State” George Allen and Unwin Publishers Ltd,1985, p1.

* ملاحظة:  هذا البحث بالأساس ورقة تمت مناقشتها من قبل الباحث في الاجتماع التشاوري المغلق حول الدستور السوري – معهد شاتهام هاوس – جنيف، وتم طرحها بندوة حول مستقبل شكل الحكم في سوريا بمركز سلمان الشيخ – زيورخ ٢٠١٨، و نُشرت في المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان- جنيف، و مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- فيينا، والمرصد السوري لحقوق الإنسان- كوفنتري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.