أخبار ||

عشرة أسباب تمنع المواجهة المباشرة بين أمريكا وإيران ” ورقة بحثية”

 مقتضب

ردا على هجوم 28 يناير بطائرة بدون طيار من قبل إحدى الميليشيات التابعة لإيران والذي استهدف جنود أمريكيين في الحدود الأردنية السورية، وأدى إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة أكثر من 40 آخرين، أمر الرئيس الأمريكي جو بايدن بشن جولة من الهجمات العسكرية واسعة النطاق ضدها، لكن بايدن أوضح أنه سيحاول منع أي عمل من شأنه أن يؤدي إلى حرب واسعة النطاق، في المقابل يعتقد الكثيرون أن إيران لا تسعى إلى مواجهة مباشرة مع أمريكا، ويرى العديد من الخبراء في الشؤون الإيرانية أن القيادة الإيرانية تريد تجنب حرب شاملة، وبدلا من مواجهة أمريكا، تركز أكثر على السيطرة على الوضع داخل البلاد.

الموضوع الأهم حول المواجهة المحتملة بين إيران والولايات المتحدة هو مدى سيطرة طهران على هذه الميليشيات، ومن المثير للاهتمام أنه تم تنفيذ هجمات انتقامية على منشآت الميليشيات الإيرانية في العراق وسوريا واليمن.

أن اظهار استقلالية الميليشات التابعة لإيران في الشرق الأوسط والوجود الكبير للقوات الأمريكية في هذه المنطقة هما عاملان غير مرغوب فيهما ومؤثران في ظهور خلافات جديدة بين طهران وواشنطن.

فهل الدولتان اللتان لا تريدان حقاً حربا شاملة وتعتقدان أن هذه الحرب قد تكون كارثية، قادرتان رغم الأحداث الأخيرة، على تجنب الانزلاق نحو هذه الحرب ؟

 

المواجهة المباشرة السيناريو الأبعد

بعد بدء الضربات الأمريكية على مواقع الميليشات التابعة لإيران في العراق واليمن وسوريا، انتقاما لمقتل جنودها في هجوم شنته هذه الميليشات على قاعدة عسكرية أمريكية على الحدود الأردنية السورية كما ذكرنا سابقا، يطرح البعض سؤالا مهما وهو: هل ستستهدف واشنطن إيران بشكل مباشر؟

في الحقيقة لا يمكن طرح أي احتمالية لهذا السيناريو، فثمة عشرة أسباب تمنع أمريكا من استهداف إيران ولو في الوقت الحالي وهي:

 

أولا- تاريخ عدائي طويل بلا أي مواجهة مباشرة:

لقد مرت 45 سنة على حياة الجمهورية الإسلامية، وأمريكا في حرب غير مباشرة معها خلال هذه الفترة، ولم تواجهها بشكل مباشر مطلقا، رغم وجود عوامل دافعة في هذا المجال، منها احتجاز الرهائن الأميركيين في طهران، غير أن واشنطن لم تختر خيار الحرب المباشرة معها.

وفي أواخر الثمانينيات، أسقطت السفن الحربية الأمريكية طائرة ركاب إيرانية فوق مياه الخليج العربي، مما أسفر عن مقتل جميع ركابها، لكن الأمر لم يؤد إلى مواجهة مباشرة.

كما أن المسعى الإسرائيلي يهدف أيضا إلى إقحام أميركا وإيران بحرب بشكل مباشر، وهو ما لم ينجح حتى الآن.

وكان ولا يزال البرنامج النووي بمثابة عامل دافع آخر، لكن الولايات المتحدة تحولت إلى العقوبات بدلا من الخيار العسكري.

وحتى قاسم سليماني قائد فيلق القدس، والذي يعتبر رمزا عسكريا، قُتل في غارة جوية أمريكية في بغداد، ولم يؤدي ذلك إلى مواجهة مباشرة بين إيران وأمريكا.

كما أن الحزب الجمهوري في أميركا، الذي له مواقف صارم تجاه إيران، لم يدخل معها في حرب مباشرة أيضا في عهد ترامب.

وعندما لم تدخل الأمثلة المذكورة أمريكا وإيران في حرب مباشرة، فإن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين لن يدفع الجانبين إلى حرب وجها لوجه.

 

ثانيا: لغة التخادم القائمة:

رغم العداء المستمر منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، والصراع القائم بين الطرفين، إلا أن ما يجمعهما هو  لغة التخادم والتوافق واللذان يمكن أن يفوقا أي اتفاق أو تحالف، فإيران حجة لأمريكيا في تواجدها وانتشارها في المنطقة، وأمريكيا وحليفتها إسرائيل حجة لإيران في تمددها ومد نفوذها في المنطقة، فإيران ترى التواجد الأمريكي ذريعة لها لمد نفوذها تحت مظلة نصرة المستضعفين ومقارعة الاستكبار، وأمريكا ترى التمدد الإيراني خظرا على أمن المتطقة وحجة لها لتثبيت وجودها وإبقاء المنطقة تحت رحمة حمايتها من الأخطبوط الإيراني، وهذا بحد ذاته يجعل الطرفان لا يرغبان في مواجهة مباشرة.

 

ثالثا- الانشغال الأمريكي في أكثر من أزمة

في الوقت الحالي، تواجه أمريكا مشاكل كثيرة في أجزاء مختلفة من العالم: أوكرانيا، وغزة، والبحر الأحمر، والعراق، وسوريا،ووتايوان، إلخ. وترى أميركا أن من مسؤوليتها تغليب كييف على موسكو، وهو ما يبدو صعبا حتى الآن، كما أنها لا تزال تعتبر أن من مسؤوليتها هي إخراج إسرائيل بأمان من حرب غزة، وهو أمر ممكن، وفي البحر الأحمر، فهي ملزمة أيضا بوقف تحرش الحوثيين بخطوط الشحن، وهو ما لم ينجح حتى الآن.

وفي العراق وسوريا، فهي متورطة مع الجماعات المسلحة مثل كتائب حزب الله و… وقواعدها العسكرية مستهدفة دائما بهجمات الطائرات بدون طيار، كما أنها تشعر بالقلق إزاء الوضع في تايوان، خشية أن تزيد الصين من قبضتها عليها، والأهم من ذلك أنها تحاول تقليص وجودها في الشرق الأوسط.

وبحسب النقاط المذكورة أعلاه، لا يبدو أن الولايات المتحدة ستخلق صداعا جديدا بمهاجمة الأراضي الإيرانية وفتح جبهة جديدة.

 

رابعا-  خشية التحول إلى حرب استنزاف:

الهجوم على الأراضي الإيرانية ليس هجوما على مواقع الميليشيات بحيث يمكن اختصاره بالقصف، لكنه يمكن أن يتحول إلى حرب استنزاف وربما حرب إقليمية، وليس من المستبعد أن يؤدي استهداف أجزاء من الأراضي الإيرانية إلى تسليط الضوء على ضرورة الهجوم البري؛ وهو أمر لا تريده أمريكا، وربما لا تستطيع فعله في الوضع الحالي.

وبالنظر إلى تجربة واشنطن غير السارة في مهاجمة أراضي العراق وأفغانستان، فمن الصعب قبول خطر شن هجوم بري على أراضي إيران؛ دولة يُزعم أنها تمتلك العديد من الأسلحة العسكرية مثل الصواريخ والطائرات بدون طيار، وإذا حدث ذلك فإن الحرب سوف تتخذ طابعاً تآكليا، وسوف تظل أقدام أميركا عالقة مرة أخرى في وحل الشرق الأوسط.

كما أنه سيكون للحرب الإيرانية الأمريكية ثلاثة مستفيدين: الصين وروسيا وإسرائيل، فروسيا قد تتقدم على أراضي أوكرانيا، وربما تطمع في دول مجاورة أخرى، وقد تنجح إسرائيل في تدمير حماس، وستقوم الصين أيضا بمحاولة فرض سيطرتها على تايوان بشكل أكبر.

 

خامسا – إدراك إيران فارق القوة

تعتمد إيران في صراعها مع أمريكا نهج التهديد والحرب الكلامية، وإطلاق الشعارات النارية والثورية بغرض الاستهلاك المحلي، لكنها في الواقع تعلم حجمها الحقيقي وفارق القوة مع أمريكا، حتى أن بعض المحللين قد ذهب إلى أبعد من ذلك، وقال أنه حتى لو هاجمت أمريكا الأراضي الإيرانية فلن تستطيع إيران القيام بشيء أكثر من التهديد ومحاولة استهداف قواعد عسكرية دون التعمد إلى قتل جنود أو مواطنين أمريكان والدخول معها في حرب مباشرة، فإيران ستبقى على نهجها في عدم التمرد على أمريكا إلى درجة استفزازها والمواجهة المباشرة معها.

 

سادسا – أدوات إيران للإضرار بالمصالح العالمية:

لدى إيرانأدوات تحت تصرفها قد تتمكن من استخدامها ضد مصالح عالمية لخلط الأوراق وتشكيل ضغط عالمي على الولايات المتحدة في حال هاجمتها، وهي: السيطرة على مضيق هرمز ومحاولة إغلاقه، رغم أن ذلك صعبا جدا من حيث القدرة الإيرانية على القيام بذلك، حيث إن 20% من نفط العالم يمر عبر هذا المضيق، وإذا أغلقته إيران فإن أنشطة التجارة العالمية ستضطرب بالتأكيد، كما سيتم توجيه الرأي العام في إيران نحو الحكومة؛ وهو ما لا تريده أمريكا، وقد تكون القوى الموالية لإيران في المنطقة أكثر نشاطا من ذي قبل وتهدد مصالح أمريكا وحلفائها.

على سبيل المثال، إذا قام الحوثيون بتعطيل خطوط الشحن في البحر الأحمر أكثر من أي وقت مضى، فسوف يلحق الضرر الجسيم بالاقتصاد العالمي، هذا فيما تحاول حكومة جو بايدن إبقاء طاولة الشعب الأمريكي ملونة خاصة في مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية، لا أن تخلق صداعاً لنفسها بإغلاق مضيق هرمز والبحر الأحمر، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز والسلع الأخرى.

 

سابعا- عامل الانتخابات الأمريكية:

يمكن للانتخابات الرئاسية الأميركية أن تلعب دورين في الوقت نفسه: التحفيز والردع، حيث إذا بقيت حكومة جو بايدن صامتة تماما، فإنها ستخسر في الانتخابات، وإذا أدى هجومها الانتقامي إلى صراع مباشر مع إيران، فلن تكسب أيضا، لأن الرأي العام الأميركي لا يرحب بالحروب الطويلة والمكلفة.

كما إن تحريض بايدن من قبل الجمهوريين لمهاجمة الأراضي الإيرانية هو أيضا ذو طبيعة سياسية وانتخابية؛ لأنه إذا دخلت إدارة بايدن في حرب مكلفة في الشرق الأوسط، فإن الفصيل المنافس سيفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وعادة ما يدخل المرشحون للانتخابات في أميركا الحملات الانتخابية بشكل أساسي بشعار إنهاء الحروب الطويلة الأمد، وليس بشعار أنهم يريدون إدخال بلادهم في أتون حرب لا نهاية لها، لذا فإن بايدن الذي يحتاج إلى أصوات الأميركيين، لن يُدخل بلاده في مستنقع حرب مباشرة مع إيران.

وبطبيعة الحال، يحتاج الديمقراطيون إلى الانتقام حتى لا يخسروا الانتخابات، ولكن الانتقام الدقيق والمحسوب والمدروس، وليس الانتقام الذي قد يؤدي إلى حرب إقليمية، على سبيل المثال، أعلن بايدن أن قرار الرد قد اتخذ، لكنه أقر بأن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى حرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط.

 

 ثامنا- براءة إيران من أعمال وكلائها

للموقف الإيراني تأثير كبير على طبيعة رد حكومة جو بايدن، فالموقف الرسمي لإيران و ما ذكر أعلاه وتأكيد طهران على استقلالية قرارات وكلائها وعدم تدخلها فيها، إضافة إلى إعلان كتائب حزب الله، المسؤولة عن الهجوم، ومن ثم إعلانها تعليق الهجوم على القواعد العسكرية الأمريكية؛ وهاتوهذا إن لم يكن تراجعا، فهو نوع من التليين في موقف طهران لاسترضاء واشنطن واحتواء غضبها، وكان له تأثير على طبيعة رد فعل واشنطن.

 

تاسعا- تأخر الرد الأمريكي

كما أن تأخر رد الفعل الأمريكي يظهر ضعف خيار الهجوم على الأراضي الإيرانية، في حين أن هوية منفذي الهجوم ووجودهم ونشاطهم واضحة لواشنطن، لذا فإن قرار الرد الذي اتخذته حكومة جو بايدن لا يشي بمهاجمة إيران؛ لأن الوضع الحالي في المنطقة ملتهب للغاية، بحيث إذا أطلق عنان الحرب على إيران فقد تندلع حرب إقليمية.

إن تحذيرات وتصريحات أعضاء حكومة جو بايدن وإعلان قرارات الاجتماعات الأمنية في المؤتمرات الصحفية وحتى الكشف عن طبيعة الهجمات الانتقامية، لا تشير إلى أن الولايات المتحدة تريد تصعيد التوتر أن تسعى إلى تشديد الصراع، لأن الهجمات لم تكن فعالة للغاية، وفي الوقت نفسه، فلو كان قمع العدو مدرجا على جدول الأعمال، فقد يكون ذلك أكثر فعالية إذا تم ذلك على حين غرة.

كما ذكرت مجلة بوليتيكو أن مسؤولي المخابرات الأمريكية يعتقدون أن إيران ليس لديها سيطرة على مجموعاتها الوكيلة في الشرق الأوسط، بما في ذلك أولئك المسؤولون عن الهجوم على القوات الأمريكية في الأسابيع الأخيرة والذي أدى إلى مقتل ثلاثة جنود.

 

عاشرا – تأثير الحلفاء

لا تحظى الولايات المتحدة بدعم حلفائها إذا في موضوع مهاجمة إيران، وعلى سبيل المثال، صرح وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس مؤخراً أن بلاده لن تشارك في الهجمات التي تعتزم الولايات المتحدة تنفيذها ضد أهداف إيرانية في الشرق الأوسط، وبحسب شابس، فمن الواضح أن مهاجمة إيران قد لا تكون أحد الخيارات المطروحة على طاولة البيت الأبيض، وتحتاج أميركا أيضاً إلى موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو ما لا يمكن الحصول عليه في الوضع الحالي.

فالولايات المتحدة التي هاجمت العراق مرتين وأفغانستان مرة، حظيت بدعم وموافقة حلفائها، وهو ما لا تحظى به الآن، ولذلك، من الصعب القبول بخطر مهاجمة الأراضي الإيرانية، نظراً للمشاكل الكثيرة التي قد تنتج عنها، ليس المقصود من ذكر النقاط المذكورة أعلاه أن أمريكا لا تملك القدرة على مهاجمة إيران، بل هي تمتلكها بكل تأكيد، لكن الوضع في الشرق الأوسط ملتهب إلى حد أن الدخول في الحرب لا يؤدي بالضرورة إلى الخروج الناجح منها، إضافة إلى ما ذكرناه أعلاه من قوة لغة التخادم بين الطرفين.

 

والسؤال الأخير الذي يطرح نفسه هو: إذا لم تهاجم أمريكا إيران فمن أين ستنتقم؟

ستستمر واشنطن في استهداف مواقع كتائب حزب الله والجماعات الأخرى المتحالفة معها في أراضي العراق وسوريا، وكذلك استهداف الحوثيين، أو قد تستهدف الجيش قوات الحرس الثوري في سوريا والعراق، وإذا كانت مثل هذه الضربة الانتقامية مدرجة على أجندة إدارة جو بايدن، فستكون دقيقة ومحسوبة ومرحلية، حتى لا تؤدي إلى مواجهة مباشرة مع إيران.

الكاتب: إبراهيم المقدادي/ باحث وكاتب أردني.

خاص: مركز الدراسات والبحوث في التيار العربي المستقل.

الخميس 8 فبراير / شباط 2024.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.