أخبار ||

هل يهدد الرئيس بوتين باستخدام النووي؟ وتصعيد “الناتو”للازمة الأوكرانية قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة ما بين روسيا و”الناتو”

بقلم: الكاتب والدبلوماسي رامي الشاعر.

في تسريب فضائحي، يكاد أن يكون مضحكاً، لعدد من الضباط الألمان “رفيعي المستوى”، اقترح أحد هؤلاء الضباط، وأكرر “رفيعي المستوى”، أن صواريخ “تاوروس” الألمانية دقيقة لدرجة أنها ستسهّل على أوكرانيا تدمير أهداف استراتيجية مثل جسر كيرتش (القرم) الذي يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم.

ولم يفكّر الضابط الألماني في أن ما يقوله يتعارض مع الدستور الألماني نفسه، لأنه يورط البلاد في صراع عسكري مع دولة أجنبية، ولا يدرك صاحبنا أن ما يقوله هو تحريض على تصعيد الأزمة الأوكرانية إلى مستوى حرب عالمية ثالثة ما بين روسيا و”الناتو”، ويدق مسمار أخير في نعش “الناتو” والاتحاد الأوروبي، مع إمكانية اندلاع صراع نووي، لا قبل لأوروبا به. كما لا يعي زملاء ذلك الضابط ربما أن استهداف الأراضي الروسية، ومنها شبه جزيرة القرم، يعني أن برلين ستصبح هدفاً عسكرياً مشروعاً!

إلا أن ذلك لم يكن الحادث الوحيد، حيث صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هو الآخر، منذ أيام، بأنه لا يستبعد إرسال قوات من “الناتو” ليحاربوا في صفوف الجيش الأوكراني.

 

من هذا المنطلق يكتسب حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الأسلحة النووية مغزاه وجوهره، من حيث أن روسيا لا ولن تسمح بحرب نووية، وهو أمر مثبت في العقيدة النووية الروسية، إلا أنها، وفي الوقت نفسه، لن تسمح كذلك بأن يتم التعدي على سيادتها أو تهديد وجودها. لذلك فما يقوله بوتين هو أن روسيا مستعدة للحرب النووية من الناحية التقنية، لكن ذلك لا يعني أبداً أي تهديد باستخدام تلك الأسلحة، وإنما هي ضمان حتى لا يتجرأ من يعانون من مراهقة عسكرية متأخرة على التلويح بضرب أهداف استراتيجية على الأراضي الروسية، أو من يعانون من خرف الشيخوخة على التلويح باستخدام السلاح النووي، أو الصدام المباشر مع روسيا.

لذلك يجب أن يستوعب الجميع، لا سيما القادة الأوروبيين أن تطوير التقنية العسكرية النووية الروسية تشكل ضماناً أساسياً لمنع الولايات المتحدة من استخدام السلاح النووي، لأن نشوب حرب نووية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا سيحمل تداعيات كارثية ليس فقط على البلدين، وإنما كذلك على أوروبا القريبة جداً من الأراضي الروسية، والتي ستتأثر مباشرة بالإشعاعات النووية الأمريكية التي ستصل الأراضي الروسية.

لهذا أكرر أن تصريح الرئيس بوتين بشأن جاهزية روسيا لخوض حرب نووية هو رادع جدّي للتبعات الكارثية للرهان على الاستمرار في سياساتهم الرديئة والحمقاء سعياً لإلحاق “هزيمة استراتيجية” بروسيا.

روسيا، وبالتزامن، تسعى دائماً للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وقد أعربت مراراً وتكراراً عن استعدادها للتفاوض مع أوكرانيا، إلا أن ما يقف عقبة أمام ذلك هو القانون الذي أصدره الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، والذي يحظر التفاوض مع روسيا.

روسيا على استعداد للتفاوض، وذلك ليس تراجعاً، وإنما هو امتداد للسياسة التي اتبعتها روسيا منذ البداية في اتفاقيات مينسك، حينما وقعت الأطراف الأربعة: روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا برعاية الأمم المتحدة، لنكتشف بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، أن أوكرانيا وفرنسا وألمانيا كانوا يخادعون، وأنهم لم يضمروا أي استعداد لتنفيذ هذه الاتفاقيات، وإنما استغلوا تلك الفترة، باعتراف ميركل وهولاند وبوروشينكو، لتزويد أوكرانيا بالسلاح، وإعدادها للمواجهة مع روسيا.

لقد بدأت روسيا عمليتها العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا سعياً لإنهاء الحرب لا لشنها، أما من شنّ الحرب، فكانت أوكرانيا، حينما بدأت ما أسمته حينها “عملية مكافحة الإرهاب”، في محاولة لاستعادة الجمهوريات “الانفصالية” في دونيتسك ولوغانسك بالقوة، ولم تكتف بمحاولة واحدة، وإنما قامت بعمليتين عسكريتين خلال ثمانية أعوام، ما بين 2014-2022، راح ضحيتها آلاف الضحايا. ولم تبدأ روسيا عمليتها العسكرية في دونباس إلا بعد أن استنفذت كل الجهود المكثفة لحل الأزمة بالأساليب السياسية والدبلوماسية. وليس هدف العملية العسكرية الروسية الخاصة سوى الدفاع عن المواطنين الروس، والثقافة الروسية، والهوية الروسية، التي يحاول إنكارها وحذفها النظام النازي الأوكراني في كييف.

لذلك، وبعد سنتين من العمليات العسكرية المستعرة على الجبهة، وبعد أن خسرت أوكرانيا، إلى جانب مئات الآلاف من أبنائها الجنود، أكثر من خمس مساحتها، وانضمت الجمهوريات المستقلة دونيتسك ولوغانسك وكذلك مناطق زابوروجيه وخيرسون إلى روسيا باستفتاءات شعبية نزيهة وشفافة وموضوعية وعادلة، فإن روسيا على استعداد للتفاوض، ولكن مع الوضع في الاعتبار الواقع الجديد على الأرض، وكذلك المخاوف الأمنية الروسية من تمدد “الناتو” إلى الحدود الروسية، ومنع قيام كيان معادي لروسيا على حدودها، فيما تبقى من الدولة الأوكرانية، التي أصبحت قلباً وقالباً جزءا فعالاً من مخطط الولايات المتحدة والغرب المناهض لروسيا، والمهدد بشكل مباشر لأمنها القومي.

لذلك فالخطوط الحمراء لروسيا معروفة وواضحة وقد أعلنتها القيادة الروسية في أكثر من مناسبة وبشتى السبل والطرق على مدار السنوات الأخيرة: الأمن القومي الروسي ثم الأمن القومي الروسي.

لقد حاول الغرب ولا زالت محاولاته قائمة لفرض المزيد والمزيد من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، فما زادت تلك العقوبات روسيا إلا صلابة، وعززت من إمكانات الاقتصاد الروسي، ووسعت من دائرة المصالح الروسية مع أجزاء أخرى من العالم، وحشدت الجبهة الداخلية المتمثلة في الشعب الروسي وراء قيادتها أكثر وأكثر. في نفس الوقت، فقد بدأ الشعب الألماني على سبيل المثال لا الحصر يطرح الأسئلة على قيادته بشأن تفجير خط أنابيب الغاز “السيل الشمالي”، وسبب توقف التحقيقات في مشروع مربح ومستدام قيمته 10 مليار يورو، بدأت العمال الذين يتم تسريحهم من المصانع الأوروبية في طرح أسئلة حول السبب في الركود الاقتصادي والتضخم، بعد أن أغلقت أوروبا سوقا روسيا كان يمتص 50% من استهلاكه من مصانع أوروبا. وبعد أن أغلقت أوروبا أجواءها أمام روسيا، وواجهت روسيا ذلك بالمثل، أفاقت أوروبا على كابوس جغرافي حينما نظرت إلى الخريطة لتدرك أن روسيا، الدولة الأكبر مساحة جغرافية في العالم، لا يمكن حصارها، ولا يمكن إغلاق المجالات الجوية أمامها، ومحاولة “معاقبتها” لن تسفر سوى عن معاقبة الذات.

ولم يعد مستغرباً أن تصدر تصريحات عن الزعماء الغربيين مثل الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس وزرائه ووزير خارجيته، بلا أدنى حد من المسؤولية أو الوعي السياسي الشامل، لتصب مزيدا من الزيت على النار، ويوجّهون تعليمات لسفرائهم المعتمدين في روسيا بمقاطعة اللقاء مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حتى لم يتواجد سفير واحد لأي من الدول الغربية. ويدهش المرء من غياب أي مبادئ مهنية أو ضمير متيقظ أو حرص على مصلحة أوروبا نفسها من بين السفراء الأوروبيين، الذين تلقوا تعليمات بالمقاطعة. ترى هل تلك هي الأخلاق الدبلوماسية والصفات المبدئية التي يتعين أن يتمتع بها السفير. كنت أظن أن وضعاً كهذا سيحتم أن يعتذر أحدهم عن أداء مهامه كسفير للبلاد لدى البلد المضيف روسيا، نظراً لتعطيل مهامه المتمثلة في صلاته مع وزارة الخارجية الروسية، إلا أنه، وللأسف الشديد، تعاني بلدان “الناتو” والاتحاد الأوروبي من أزمة أخلاقية ومهنية لا على مستوى السفراء فحسب، وإنما، وبشكل أساسي على مستوى رؤساء البلاد والحكومات، الذين يخضعون بالكامل لإرادة واشنطن، دون أن يضعون في الاعتبار مصالح شعوبهم وبلدانهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.